فضيلة الشيخ سفر الحوالي شاب نشأ في طلب العلم واشتهر بسرعة التحصيل وبدت عليه علامات النبوغ مبكرا وأثنى عليه كبار شيوخ عصره وتوقعوا له الريادة في الدنيا والإمامة في الدين، فكان أبرز دعاة جيله وجمع بين جريان القلم بالكتابة وطلاقة اللسان في التدريس والخطابة؛
تلقى تعليمه الأولي في مدينة الباحة ونواحيها حيث مسقط رأسه هناك، وأنهى المرحلة الجامعية في المدينة النبوية، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، ثم حصل على درجة التخصص (الماجستير) عن موضوع العلمانية نشأتها وتطورها، وكان مشرفا عليه إمام عصره العلامة الأستاذ محمد قطب رحمه الله، ولعل هذه التلمذة المباشرة والتربية العلمية عن قرب هي أكبر المؤثرات في التكوين الفكري للشيخ سفر الحوالي، وقد ظهر ذلك على عطاءاته وإسهاماته حيث أصبح كتابه عن العلمانية أسبق وأصدق المراجع التي اعتمد عليها البحاثة وطلبة العلم في خوض هذا الخضم، واعتمد في المقرارات الدراسية في مراحل الدراسات العليا في كثير من جامعات الدول العربية والإسلامية.
ثم جاءت رسالة العالمية (الدكتوراه) عن ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي لتسد خللا بدت ملامحه، وهوة أخذت تتسع في الفكر والثقافة الإسلامية؛ متمثلة في ظهور المرجئة الجدد الذين يقدسون ولي الأمر ويرفعوه إلى درجة من لا يسأل عما يفعل، وأن عليك السمع والطاعة وإن رأيت كفرا بواحا عندك فيه من الله البرهان، لأن الحاكم عند أرباب هذا الفكر هو وحده الذي يعرف المصلحة ويقدر عواقب الأمور.
لذا فإن الجامية والمدخلية وفروعهم في البلاد العربية يرون الشيخ سفر الحوالي وأمثاله من فرسان معركة الوعي من الخارجين على طاعة ولي الأمر!
بزغ نجم الشيخ سفر، وأسفر فجره مع اعتراضه على وجود القوات الأمريكية في الجزيرة العربية وكتب كتبا في ذلك تحذر من أطماع أمريكا في المنطقة وسعيها لتحويلها إلى منطقة صراع وهيمنة وهو ما تحقق وظهر للعيان بعد ذلك؛ وكان مصير الشيخ الحوالي السجن والاعتقال سنوات طوال لم تلن فيها عزيمته ولا تنكب طريقه كما فعل بعض رفقاء الدرب الذين اكتفوا من الغنيمة بالإياب، أو الذين كره الله انبعاثهم فثبطهم فأصبحوا مع القاعدين على عتبات السلاطين!!
وفي أثناء كفاحه وجهاده أصيب الشيخ سفر الحوالي بجلطة أقعدت بدنه ولكن ظلت روحه عالية سامقة، وهمته مرتفعة سامية، وإن أثقلت الجلطة لسانه فما ضعف قلبه، ولا تأثر قلمه فكتب وهو على سرير المرض ما ربا على ثلاثة آلاف صفحة تناول فيها واقع الأمة بصفة عامة وما تكاد به، وركز بصفة خاصة على أرض الحرمين وقبلة المسلمين وما يراد لها.
كتب بوضوح لا لبس فيه، وصدع بحق لا تورية معه، ولو سكت لكان معذورا وله في ذلك رخصة ولكنه تربى على مقولة أستاذه الخالدة (لا تورية في العقائد، وإن القادة لا يأخذون بالرخص).
أبصر حاجة الأمة إلى البيان لاسيما مع ارتفاع أصوات علماء البلاط وجوقة السلطان، الذين ساهموا نفاقا واحتسابا في كسر هيبة العلماء وتقليل قيمتهم في نفوس المسلمين فأصبحوا ضيوفا على طاولات الكوتشينة والبلوت ومسارح الترفيه واللعب..
فخرج كتاب الإسلام والحضارة الغربية للشيخ سفر الحوالي ليذكر أنه لن يخلو عصر ولا مصر من قائم لله بحجة، وأن المقعد من قعدت به همته وغلبته نفسه واتبع هواه فأصبح إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث.
قدم الشيخ سفر نصيحته واضحة إلى من باعوا دينهم ودعوتهم بدنيا الحاكم، وذكرهم بإخوانهم من العلماء والدعاة المعتقلين الذين لم يعرضوا على المحكمة كما يفعل مع شارب الخمر أو قاطع الطريق!
وحذر الأمة بأثرها من صفقة القرن وبيع فلسطين ورصد هرولة السعودية الجديدة إلى التطبيع مع المحتل الغاصب لمقدسات المسلمين وذكرهم بالتناقض العجيب في التعامل مع القضية السورية ودعم قتلة النساء والأطفال.
وحذر مما يحدث في اليمن وذكر بوضوح أن الإمارات تسعى لأجندة خاصة وأنها رأسا في ذلك وغيرها غدا ذنبا لها!! فما ذنب الشعب اليمني ليكتوي بنارين ويطحن بين حجرين؟
وذكر بما حذر منه في كتبه الأولى من أطماع الغرب في ثروات المسلمين التي أصبحت تنفق على الانقلابات العسكرية وصنع القلاقل في البلاد العربية حتى جاء دونالد ترمب فأخذ من المليارات ما أصبح أكبر مفاخره وأعظم مآثره أمام أنصاره ومحبيه.
وبين الشيخ الحوالي في كتابه أن السرف والبذخ الذي دفع في لوحة فنية أو في عرض مسرحي كان كافيا لحل مشاكل شباب المسلمين الذين ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وأصبح ترمب يباهي بما أوجده من وظائف بأموالهم وخيراتهم!
وختم كتابه بنصيحة مباشرة إلى آل سعود، لتدارك ما فات ومراجعة السياسات فإن صبر الشعوب له آخر وغضبتهم تأتي على الأخضر واليابس والتاريخ حافل بذلك. فكانت النتيجة اعتقال الشيخ الذي قارب السبعين من دون مراعاة سن ولا علم ولا مرض، واعتقال أولاده معه.
بدأ الشيخ سفر الحوالي حياته داعيا ناصحا وتوج مشواره ببذل النصح والصدع بكلمة الحق لنحصل على إجابة سؤال تردد كثيرا: أين هم الحنابلة وتلاميذ ابن تيمية؟
فجاء الرد السعودي سريعا: في السجون كالعادة.