
جمال خاشقجي الشهيد العريان
أكتوبر 19, 2018
“الدب الداعش”
نوفمبر 2, 2018كان النظام الملكي هو النظام السائد في الدول العربية فإذا مات الملك انتقل الحكم إلى أولاده كما ينتقل إليهم كل ما كان تحت يده من أموال ومزارع وضيعات، ثم تحول الحكم في بعض هذه البلاد إلى النظام الجمهوري عبر انقلابات عسكرية، فتغير النظام من الملكية الوراثية إلى الملكية العسكرية، وبدلا من تسلط أسرة واحدة، أصبح الجيش هو الأسرة الحاكمة وينتقل الحكم إلى أفراد الكتيبة، بنفس الطريقة الكئيبة، أو بتجديد سنة الانقلاب.
وبما أنه لكل قاعدة ما يخالف اضطرادها واستمرارها، كان المشير عبد الرحمن سوار الذهب رئيس السودان الأسبق هو من خرق القاعدة مرتين، وخالف المسلكين، عندما قبل قيادة السودان لفترة انتقالية بعد الإطاحة بنظام جعفر نميري في أبريل/ نيسان 1985 وبقي في الحكم لمدة سنة واحدة، أجرى بعدها انتخابات تنافسية فاز برئاسة الوزراء فيها الصادق المهدي إمام الأنصار.
وليست الغرابة في كونه أول رئيس عربي يفعل ذلك، وإنما الأغرب كونه عسكريا بلغ رتبة الفيلدمارشال! ومن أسس التربية العسكرية التي تخالط الدماء، وتجري في العروق، التمسك بالسلطة إلى آخر رمق، والتماهي مع فرض السيطرة وإصدار الأوامر إلى درجة الهوس!
ومن أغرب ما وقعت عليه في سيرة د. حسن الترابي قوله: (العقيدة الإسلامية لا يساميها إيمان، ولا يتفوق عليها معتقد، إلا إذا كانت العقيدة العسكرية)
وهذا نتاج ما يغرس في نفوس العسكريين من الولاء والبراء عليها والحب والبغض في سبيلها، ثم دلل على صدق كلامه بما وقع في السودان!
لكن الرئيس سوار الذهب تفوق على كل جوهر نفيس، ولم تبهره أبهة الرئاسة، ولم تسكره نشوة الحكم؛ ولو كان سوار الذهب رئيسا مدنيا وفعل ذلك لكان المثال الوحيد، والعقد الفريد، فما بالنا وهو المشير الذي تدرج في كل الرتب العسكرية وأخذها عن جدارة واستحقاق، كما أثبت أن العقيدة العسكرية لا تتفوق على العقيدة الإسلامية إلا عند من رق دينه، وضعف يقينه.
انتقل سوار الذهب إلى جوار ربه فتحدث الناس من شتى أصقاع الأرض عن أخلاق الرجل العالية، وصفاته السامية، حيث كان تجسيدا لأخلاق أهل السودان.
ولهجت الألسنة بالثناء عليه، وألسنة الخلق أقلام الحق، وتذكر الناس مواقفهم معه لاسيما في مناسك الحج، وكنت قد التقيته في منى يرمي الجمار ماشيا منفردا، وذكر من حج معه من العلماء أنه كان حريصا على خدمة الحجاج داخل الخيمة.
كما شرفت بمرافقته في زيارة غزة في العام 2013 فكان قريبا ودودا، شديد الهدوء لين الجانب، ترى فيه من الوهلة الأولى تواضع الكبار.
قدم سوار الذهب للسودان ما يفاخر به الأقران، ويتيه به على الخلان، وقدم للأمة الإسلامية ما يدل على خيريتها، وأن الخير فيها إلى قيام الساعة.
وكان رحمه الله قد تفرغ للعمل الخيري والدعوي من خلال منظمة الدعوة الإسلامية التي كان الأمين العام لمجلس أمنائها، وفي أنشطتها قضى بقية حياته..
ولد سوار الذهب في مدينة الأبيض في وسط ولاية شمال كردفان وختم له بالموت في بلاد الحرمين، وشيعت جنازته بعد صلاة الجمعة من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي عج بأهل السودان ودعاء أهل الإيمان على معلم الناس الخير، ودفن في البقيع.
روى النسائي بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: مات رجل بالمدينة ممن ولدوا بها، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: يا ليته مات بغير مولده. قالوا: ولم ذاك يا رسول الله؟ قال: إن الرجل إذا مات بغير مولده قيس بين مولده إلى منقطع أثره في الجنة.
رحم الله سوار الذهب المشير الفريد والرئيس الرشيد.