فتحت عمورية أهم المدن البيزنطية، في نفس يوم غزوة بدر، ويرجع سبب ذلك الفتح الكبير إلى نخوة المعتصم الخليفة العباسي الذي لبى استغاثة امرأة مسلمة استنجدت به من وراء البحار والمحيطات.
في العام الثاني من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، فرض صيام شهر رمضان.
ومع بداية أداء الصحابة للفريضة الجديدة، خرجوا للقاء قافلة قريش ودارت عجلة الجهاد، وجمعوا بين الفريضتين، ولم تشغلهم واحدة عن الأخرى، فكتب الله لهم الفوز المبين والنصر العظيم، وأطلق القرآن على غزوة بدر يوم الفرقان: “وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”.
وهذا يبدد أوهام الكسالى والمتبطلين، الذين يربطون الصوم بالخمول والكسل وقلة العمل! بل ارتبط شهر رمضان بالانتصارات الكبرى في تاريخ الأمة كفتح مكة وموقعة عين جالوت.
ومع بداية رمضان من عام 223 هجرية فتحت أنقرة عاصمة تركيا الحالية، وفي السابع عشر منه فتحت عمورية أهم المدن البيزنطية، في نفس يوم غزوة بدر !
ويرجع سبب ذلك الفتح الكبير إلى نخوة المعتصم الخليفة العباسي الذي لبى استغاثة امرأة مسلمة استنجدت به من وراء البحار والمحيطات، فأطلقت صيحتها التي ما زالت أثارها تتردد في دنيا الناس “وامعتصماه” أين أنت مما يحدث للحرائر المسلمات يا خليفة المسلمين؟
وتذكر المصادر التاريخية أن الذي أغرى علوج الروم بالزحف على بلاد المسلمين وأخذ نسائهم سبايا وشاية من “بَابك الخُرّمي” الذي جمع أوشاب الناس وأخلاطهم من بلاد فارس وأذربيجان على الأفكار الشيعية والعقائد الباطنية، واستطاع مناوشة الخلافة العباسية وجرها إلى صراعات ومعارك جانبية لعدة سنوات متوالية، استمرت من عهد المأمون حتى تولى بعده أخوه المعتصم الذي جعل فتنة “بابك الخرمي” في أهم أولوياته وعزم على إخماد نارها وإطفاء جذوتها..
ولما ضاق الخناق على “الخُرّامية” أرسل “بابك” يستنجد بملك الروم “توفيل بن ميخائيل” وكان يمده بالمال والعتاد في الحرب على المسلمين فطلب إليه “بابك” أن يضع يده على ما يليه من البلاد المفتوحة، وذكر له أن المعتصم قد حشد جنوده وجمع عساكره في الحرب علينا ولن يلتفت إليك!
وبالفعل جهز “توفيل” جيشا عظيما ودخل زَبطرة ثم مَلطية من بلاد المسلمين وأعمل فيهما القتل والسلب، وسبى من النساء العدد الكثير…
وكانت في السبي امرأة تدعى “شراة العلوية” هي التي صرخت “وامعتصماه” وبلغت استغاثتها مسامع أمير المؤمنين عن طريق التجار والوافدين على عاصمة الخلافة.
فزع المعتصم لما بلغه الخبر وأمر بتجهيز جيش سيخرج فيه بنفسه وعلى رأسه، وحاول بعض المقربين منه إثناءه عن عزمه وصرفه عن قصده، بحجة أن العام عام نحس والخروج فيه محفوف بالخطر، ولا أمل في الفوز ولا الظفر، فأعرض عنهم واستدعى أكثر من ثلاثين عالما أشهدهم على وصيته وقسم ماله أثلاثا، ثلث لورثته وثلث لمواليه وثلث أوقفه للمسلمين!
ولم تكن خطة المعتصم استعادة البلاد المغتصبة وحسب، بل تأديب الروم وتقليم أظافرهم وتلقينهم درسا للمستقبل.
سأل المعتصم: أي بلاد الروم أمنع وأحصن ؟ فقيل : ” عَمُّورية ” ، لم يَعرض لها أحد من المسلمين منذ كان الإسلام، وهي عين النصرانية، وهي أشرف عندهم من القسطنطينية، فأمر بالسير إليها ، وكان خروجه في جمادى الأولى سنة 223 هـ.
وجهز جيشا وصف بأنه الأكبر عددا وعدة في تاريخ الخلافة، واستعان في قيادته بكبار القادة الأتراك وعلى رأسهم “الأفشين” الذي اقتسم المعتصم الجيش معه نصفين!
وتوجه جيش المسلمين إلى أنقرة عاصمة تركيا الآن، وفتحها ثم توجه منها في الخامس من رمضان إلى عمورية وتم حصارها فترة، حتى علم المعتصم بثغرة ضعيفة في سورها فأمر بتركيز القصف عليها حتى تم الفتح في السابع عشر من رمضان يوم النصر والفرقان، وهرب “فوتيل” إلى القسطنطينية وتقع بقايا عمورية الآن بالقرب من قرية “حصار كوي ” في محافظة أفيون قرة حصار بالجمهورية التركية.
وتذكر بعض الروايات أن المعتصم سأل عن المرأة المستغيثة وقال لها هل وفيناك حقك ؟
فحمدت الله إليه، وأكثرت الدعاء له.
وقد سجل أبو تمام فتح عمورية وفعل المعتصم في قصيدة من عيون الشعر العربي جاء فيها:
السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ..
في حدهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعبِ.
بيضُ الصَّفائحِ لاَ سودُ الصَّحائفِ.. في مُتُونِهنَّ جلاءُ الشَّك والريَبِ.
والعِلْمُ في شُهُبِ الأَرْمَاحِ لاَمِعَة..
بَيْنَ الخَمِيسَيْنِ لافي السَّبْعَة ِالشُّهُبِ.
أَيْنَ الروايَة ُ بَلْ أَيْنَ النُّجُومُ… وَمَاصَاغُوه مِنْ زُخْرُفٍ فيها ومنْ كَذِبِ. تخرُّصاً وأحاديثاً ملفَّقة… لَيْسَتْ بِنَبْعٍ إِذَا عُدَّتْ ولاغَرَبِ.
فَتْحُ الفُتوحِ تَعَالَى أَنْ يُحيطَ بِهِ
نَظْمٌ مِن الشعْرِ أَوْ نَثْرٌ مِنَ الخُطَبِ !
ورحم الله الشاعر السوري عمر أبوريشة الذي قارن حال نساء المسلمين الأسيرات في عصرنا الحديث في البوسنة وبورما اللاتي صكت استغاثتهن آذان الجميع لكن غابت عنهن نخوة المعتصم فقال:
رُبّ وامعتصماه انطلقت… ملء أفواه الصبايا اليتّم.
لامست أسماعهم لكنها…
لم تلامس نخوة المعتصم.
أمتي كم صنم مجدته…
لم يكن يحمل طهر الصنم.
لا يلام الذئب في عدوانه…
إن يك الراعي عدو الغنم !
مات أبو ريشة قبل أن يرى المسلمات أسيرات يرسفن في أغلالهن في سجون البلاد العربية، وعلى يد حكامها، وأضحى المعتصم هو من يضع القيد في معصمها.