ثورة السودان ومصير البرادعي
يوليو 12, 2019خير أيام الدنيا
أغسطس 2, 2019في هزيع الليل وبعد انتهاء صلاة العشاء بفترة، قَطع الصمت وبَدلّ السكون أصوات تعانقت في سماء إسطنبول بالتهليل والتكبير والحمد والثناء، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم.
ومع أُنسي بالأصوات الندية والأدعية الربانية، فإن الرغبة الملحة في معرفة السبب جعلتني أهاتف صديقا فأجابني بأنها ذكرى الانقلاب الفاشل، الذي تصدت له المآذن وَرَفعت في وجهه الأذان، فولى مدبرا كما يفعل الشيطان!
وقد رأت الحكومة التركية أن تعيد الذكرى في كل عام لأن الذكرى تنفع (المواطنين) وتنبه الغافلين.
وكنت قد عشت لحظات الانقلاب الفاشل من أولها حتى انجلى غبارها عن الشارع التركي، ولا أنسى أحد شباب ” حزب العدالة والتنمية” الذي اقترب مني وطلب مني الهتاف بصوت يسمعه الناس ويشجعهم على النزول إلى الشارع ولقنني ما أقول: “يا الله. بسم الله. والله أكبر” وأخذ يردد خلفي، وقبل أن يرتد إلى طرفي كان الشارع يعج معنا بالتكبير، وقد لفت انتباهي نزول الأتراك من كل الأعمار، مع مشاركة ملحوظة من النساء الكاشفات والمحجبات!
ووقع نظري على تركي صوفي مسن يهتف هتافا خاصا لا يغيره: “يا بركة طه ويس، يا بركة طه ويس”.
أما الغريب العجيب فإن المتاجر والمحلات التي مررنا بها بقيت على حالها ولم تغلق أبوابها وبقيت حركتها طبيعية.
وفي تقديري أن من أهم الأشياء التي جعلت الشعب التركي يسجل أسطورته في دحر الانقلاب إحساسه بالمسؤولية، وحرصه على عدم التفريط في الحرية، لاسيما بعدما ذكرهم الرئيس أردوغان بذلك في كلمته عبر الهاتف التي غيرت مسار الأحداث، كما كانت صورة الانقلابات السابقة ماثلة أمامهم ويدركون ما يتبعها من كوارث.
كذلك قرب العهد بالانقلاب العسكري في مصر ومتابعة الشعب التركي باهتمام للمجازر والدماء التي غاصت فيها أقدام العساكر.
لكن يحلو للبعض عقد مقارنة بين الانقلاب الفاشل في تركيا والانقلاب الغادر في مصر ثم إلقاء اللائمة على الشعب المصري وأنه فرط في الثورة وأن ما حَلّ به جزاء وفاقا..
والحقيقة أن المقارنة ظالمة ومجتزأة، وقد رأيت من ثورة الشعب المصري صبيحة مجزرة رابعة وخروج الناس في كل المحافظات ما هو أقوى وأكبر من خروج الشعب التركي عشية الانقلاب الفاشل! لكن فشل المصريين الحقيقي ونكبتهم كانت في نخبتهم التي لم تحسن قراءة المشهد وقيادة الجماهير أو تفكر في وضع خطة “ماذا لو”؟
ماذا يفعل الشعب المصري أكثر من الخروج في مسيرات غاضبة كانت تقاس بالكيلو متر في الاسكندرية؟ والمظاهرات اليومية الحاشدة في باقي المحافظات التي تم تحويلها إلى “فاعليات”!
بل استمرت الجامعات في رفض الانقلاب وقاد الطلاب حراكا ثوريا ضده استمر عدة أشهر وكانت جامعة الأزهر أيقونة الجامعات في ذلك.
ولو رجعنا إلى فترة ما بعد تنحي حسني مبارك ستجد أن الشعب لم يُدعى إلى مليونية للحفاظ على الخط الثوري والضغط على المجلس العسكري إلا لبى بقوة، وعندما تم الاحتكام إلى صناديق الاقتراع أسقطت الجماهير ما تبقى من جمهورية الفلول وحَملت ممثلي الثورة إلى سدة الحكم ومقاعد البرلمان وأعطتهم الأغلبية المريحة.
لقد أدى الشعب المصري الدور المطلوب منه في كل مراحله، ولا تقاس الشعوب بثلة المنتفعين من منظومة الفساد والاستبداد وجوقة الحاكم الظالم فهي طبقة موجودة مع كل نظام.
إن الذي يقارن بين سقوط الانقلاب في تركيا، وصعوده في مصر يريد من الشعوب أن تقوم بعمل النخب!
ومكلف الأشياء ضد طباعها
متطلب في الماء جذوة نار.
لكن على من تصدر المشهد وفشل في إدارته أن يفسح المجال لطاقة متدفقة، ووسائل متجددة، وقيادة واعدة تحل محل القيادة المتكلسة وفق سنة الاستخلاف التي تجري على الأمم والأفراد.
لو وجد الشعب المصري من يتقدم الصفوف أو من يحدد له الهدف أو يرسم له المسار عبر مكالمة “فيس” أو حتى رسالة جوال لكان الحال غير الحال.
الحقوق تنزع ولا توهب ولا تقوم الثورات إلا على أكتاف الشباب الذين يستطيعون دائما صنع الفارق وعليهم المبادرة إلى ذلك، فإن نجحوا داخل المعسكر فهي أهم الخطوات والمقدمات لإزاحة العسكر.