الخيانة العظمى بين ليبيا وإثيوبيا وآيا صوفيا.
يونيو 12, 2020ليبيا ومكافحة الزندقة
يونيو 26, 2020“من أراد أن يتأمل أقدار الله، ويتعلم مما يُكشف من أسرارها، فليتأمل سيرة هذا الرجل، الذي لو أكمل مدته الرئاسية، ربما لم ينتخب لفترة ثانية، ولذهب ذكره، وطمس أثره”, تشابهت مراحل حياة د. محمد مرسي مع غيره من النابهين من أبناء الريف، الذين تكد أسرهم ويكابدون معها من أجل إكمال التعليم، في ظل قلة ذات اليد، وظروف معيشة صعبة، وغالبا ما يكتمل حلم الجميع بتخرج الابن الذي يمثل مستقبل الأسرة، ويظلعدد ليس بالقليل، وفيا متعهدا ومتفقدا، يَسد خَللا، ويحمل كَلاً، ويعين على نوائب الدهر، ردا للجميل.
إن الكرامَ إذا ما أيسروا ذكروا
من كان يألفهم في الموطن الخشنِ.
لذا رجع د. محمد مرسي بعد إتمام دراسته في أمريكا، وتدريسه في جامعاتها، ولم تبهره مدنيتها المتقدمة، ولا أضواؤها اللامعة، ولا ما تبذله من امتيازات وتيسيرات للعلماء والباحثين.
عاد إلى الحبيبة مصر، وإلى التربة الطيبة التي خرج منها، لينقل إلى أبنائها حصيلة علمه وخبرته.
لم يكن محمد مرسي الأستاذ الجامعي في كلية الهندسة، متطلعا لأكثر مما وصل إليه من المكانة العلمية، وكرسي التدريس الذي تماهى مع الرسالة الدعوية والتربوية، التي اضطلع بها، وانخرط فيها، وأصبح من رموزها.
لم يتطلع إلى مناصب الدنيا ولم يغره بهرجها، لذا اختار التدريس في جامعة الزقازيق، بعيدا عن أضواء القاهرة وضوضائها، وتحمل أمانة النيابة عن أبناء بلده داخل مجلس الشعب، لما كان البرلمان غرما لا غنما، وسببا للاعتقال عند نية الترشح، أو اعتقال الأقربين حال النجاح.
ومع نسائم ثورة يناير، وبوادر مشاركة الجميع فيها، والعمل على نجاحها، اعتقل نظام مبارك قبل جمعة الغضب “28 يناير” كل من يخشى تأثيرهم وفعاليتهم في الحراك الثوري، وكان في مقدمتهم د. محمد مرسي، ومع نجاح الجولة الأولى من الثورة، وبداية مرحلة ظهور الثمار، والترشح للبرلمان، الذي أصبح الواجهة السياسية، وفيه الحصانة البرلمانية، وزالت عنه المخاطر، وأصبح الطريق إليه معبدا لا شوكة فيه، كان متوقعا أن يعود إليه د. محمد مرسي رئيسا، فهو صاحب أبرز تجربة برلمانية في تاريخ نواب الإخوان، أو يترأس كتلة الجماعة النيابية كما كان في أيام الغرم، لكن لثقة إخوانه في قوة إدارته وصبره، وتجرده وزهده، اختاروه رئيسا لحزب الحرية والعدالة الذارع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، لاستكمال مسيرة العطاء، بعيدا عن الامتيازات والأضواء، وقَبِلَ التكليف، وانتقل لإدارة الحزب من القاهرة، وأسرته ومسكنه في محافظة الشرقية، لذا استأجر شقة في منطقة التجمع الخامس، وظل فيها حتى بعدما أصبح رئيسا للجمهورية، وقال كلمته المشهورة “القصر الرئاسي هو مكتب لإدارة شئون الدولة، وليس مكانا للسكنى ! “
ولا يخفى على أحد أن د. محمد مرسي لم يكن مرشح الإخوان المسلمين للرئاسة، عندما وافقوا على خوض غمارها، وإنما كانت كلمتهم متفقة على نائب المرشد المهندس خيرت الشاطر، وربما لو كان عند الإخوان رفاهية وضع البدائل من البداية، ما وضعوا د. مرسي في أول بدائلهم، لأن رئاسة الحزب عند “التنظيم” لا تقل عن رئاسة الدولة.
لكن مع ظروف إخراج المهندس خيرت من السباق الرئاسي، وخشية جماعة الإخوان من إقصاء غيره، كان الخيار الآمن هو د. محمد مرسي مرشحا للحزب، وليس مرشحا من أعضاء مجلس الشعب، ولا بتوكيلات الناخبين من شتى المحافظات، لأن مرشح الحزب لو طعن في شخصه واستبعد، فللحزب أن يستبدله غيره به في أي وقت.
ونجح د. مرسي آخر المنضمين إلى قطار الرئاسة، في الوصول إلى قصرها، بعد فوزه على الفريق أحمد شفيق رئيس وزراء النظام ومرشحه في الانتخابات، وأصبح الرئيس مرسي كما قال القائل: جاء الرئاسة أو كانت له قدرا….كما أتى ربه موسى على قدر.
ومن اللحظة الأولى أدرك الرئيس مرسي أنها عملية استشهادية، وأن الرئاسة هي طريقه إلى الشهادة، وبالفعل كانت محطة سريعة، لم تتجاوز العام الواحد، حَصَّلَ بعدها من رفعة الذكر، وعلو المكانة، ومحبة الخلق في شتى أصقاع الأرض، بما لم يخطر لأحد على بال أو يتوقعه، فأصبح رمزا للثبات على الحق، والموت في سبيل المبادئ، وشرَّف كلمة الرئاسة بإضافة إلى الشهادة، ليكمل حبات العقد الفريد، بعد الإمام الشهيد، والأستاذ الشهيد، فكان الرئيس الشهيد الذي تربى في مدرسة حسن البنا، وسيد قطب، وكُتب اسمه في السطر نفسه.
هل تخيل د. مرسي أن يوضع اسمه على اللافتة نفسها، وبالحجم نفسه؟ وربما يصبح الأظهر والأشهر؟
من أراد أن يتأمل أقدار الله، ويتعلم مما يُكشف من أسرارها، فليتأمل سيرة هذا الرجل، الذي لو أكمل مدته الرئاسية، ربما لم ينتخب لفترة ثانية، ولذهب ذكره، وطمس أثره، كما فُعل بالرئيس محمد نجيب الذي حكم ضعف مدته، لكن الأقدار أرادت بمرسي شأنا آخر، ليخلد اسمه، وتلهج ألسن الأحرار بالثناء عليه، وأصوات الأبرار بالترحم عليه، ويرتقي مقتولا مظلوما، صابرا محتسبا، إلى ساحة الحَكَم العدل الذي يقتص للشاة الجَلحاء من الشاة القَرناء التي نطحتها، ولا تضيع عنده المظالم.
انتهت محاكمة محمد مرسي يوم سقط شهيدا في ساحة المحكمة، وانتقلت قضيته إلى محكمة قدسية الأحكام والميزان، شهودها الكرام الكاتبين، ويحكم فيها أحكم الحاكمين، وما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع.
انتصر محمد مرسي على الإعلام الفاسد، والقضاء الجائر، والشرطة الظلمة، والعسكر الغدرة، ومن ورائهم من أصحاب المال القذر، وخفافيش الثورة المضادة.
انتصر لأنه حقق هدفه، وأدرك غاية:”الموت في سبيل الله أسمى أمانينا”
لم يكن مجرد شعار يردده، وإنما كان عقيدة ومنهاج حياة، وذلك إحدى الحسنيين، اللتين وعد الله بهما عباده الصادقين “النصر أو الشهادة”.
(مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)
محمد مرسي نذر نفسه لدينه وأمته، ونحسبه ممن قضى نحبه، ووفى نذره، وحَصَّل أعلى الدرجات في مرضاة ربه
(فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا )
ويكفينا أن نعلم أنها أمنية رسول الله صلى الله عليه وسلم: “والذي نفسي بيده لوددت أنِّي أُقتَل في سبيل الله، ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل) رواه البخاري.
ولا يتمنى أحد دخل الجنة الرجوع إلى الدنيا، إلا الشهيد، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل اطلع على الشهداء إطلاعة فقال: ماذا تبغون؟ فقالوا يا ربنا وأي شيء نبغي وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك؟ ثم عاد عليهم بمثل هذا فلما رأوا أنهم لا يتركون من أن يسألوا، قالوا نريد أن تردنا إلى الدار الدنيا فنقاتل في سبيلك حتى نقتل فيك مرة أخرى لما يرون من ثواب الشهادة – فيقول الرب جل جلاله ” إني كتبت أنهم إليها لا يرجعون” رواه مسلم.
نعمت المنزلة، وهنيئا لك يا أبا أحمد، ومن سار على الدرب وصل.