في الذكرى السابعة لمجزرة رابعة التحق د. عصام العريان بقافلة الشهداء، وكأنه حصل على الدرجة يومها، وحان الآن وقت التتويج وإعلان النتيجة!
ومن جملة العجائب أن تكون وفاة عصام العريان مع حلول الذكرى الخامسة لاستشهاد د. عصام دربالة في نفس السجن “العقرب” شديد الحراسة، وبنفس الطريقة بمنع الدواء والحرمان من العلاج، وكما جمعت بينهما روعة البداية، والسبق إلى حمل الراية، جمع بينهما حسن الختام، واللقاء على منازل الشهداء.
كانت البداية في حقبة سبعينيات القرن الماضي حيث اصطفى الله ثلة من شباب الجامعات المصرية، لحمل راية الدعوة الإسلامية، والتبشير بتعاليم الإسلام ودعوة الناس للعودة إليها والتمسك بها، كان في مقدمة هؤلاء في جامعة القاهرة عصام العريان وحلمي الجزار وعبد المنعم أبو الفتوح، وفي الإسكندرية محمد إسماعيل المقدم وإبراهيم الزعفراني وسعيد عبد العظيم، وفي جامعة أسيوط كرم زهدي وعصام دربالة وأسامة حافظ، ومن خلال دعوة طلاب الجامعة انتقلت الصحوة الإسلامية إلى كل مكان في مدن مصر وقراها.
كان الطالب عصام العريان شعلة نشاط في الجامعة فهو يتنقل لإلقاء الدروس الدينية بين زملائه من الطلاب، تلك الدروس التي كانت مفاتيح القلوب، ومكنته من التأثير فيهم والأخذ بأيديهم، كما حرص على المشاركة السياسية فترشح لرئاسة اتحاد طلاب كلية الطب، ثم أصبح رئيسا لاتحاد طلاب جامعة القاهرة، ثم رئيسا لاتحاد طلاب الجامعات المصرية.
ولا أنسى يوم استعاد شريط الذكريات مع د. أحمد فهمي رئيس مجلس الشورى في جلسة صلح شهدتها في مكتبه بعدما احتدم النقاش بينه وبين د. عصام العريان أثناء الجلسات، وتطور النقاش وحاول رئيس المجلس استخدام سلطته في إسكات د. عصام الذي اعترته حدة غير معهودة، وبدا يتحدث تحت القبة من واقع فرق المكانة التنظيمية، والسبق الدعوي والسياسي، ورفعت الجلسة على هذا التوتر فذهبت مع د. محمد عبداللطيف رئيس كتلة حزب الوسط لتهدئة د. أحمد فهمي ومحاولة الإصلاح، وكانت المهمة شاقة لكن هونها علينا د. فهمي بسماحته، وإذا به يقول: أنا لا يمكن أن أغضب من “الشيخ عصام” فهو أستاذنا في الجامعة، وكان يعطينا الدرس وأنا في كلية الصيدلة، وكنت أول مرة أسمع لقب “الشيخ عصام” ، وبالفعل ذهبنا إليه ووجدنا الغضب قد ذهب عنه، وذهبنا به إلى مكتب رئيس المجلس الذي أعاد نفس الكلام، وذكره ببعض دروسه الجامعية.
وهذا فسر لي ما كنت ألاحظه من ساعة دخولنا إلى مجلس الشعب عام 2012 من سبق د. عصام وكونه أول المبادرين إلى ترك القاعة لحضور صلاة الجماعة، ولا أظنه تأخر قط عن الإمامة في مسجد البرلمان فقد كان رحمه الله من حفظة القرآن الكريم.
بدأت صلته بالحياة النيابية مبكرا، فقد كان أصغر النواب سنا في برلمان 1987، أما في برلمان الثورة 2012 فكان صاحب أعلى مؤهلات علمية في تاريخ البرلمان، فهو حاصل على الشهادة العليا في الطب، ثم الحقوق، ثم الشريعة والدراسات الإسلامية، وأخيرا كلية الآداب.
عصام العريان وجيله هم أصحاب البعث الثاني لجماعة الإخوان المسلمين، عندما خرج شيوخها من السجون أيام أنور السادات فوجدوا جيلا من الشباب حمل الراية، ومستعدا لمواصلة الكفاح والتضحية، وأصبح د. عصام العريان من أبرز قيادات الإخوان المسلمين، بل كان الأكثر حضورا إعلاميا وجماهيرا في فترة حكم حسني مبارك، وتدرج تنظيميا حتى أصبح عضوا في مكتب الإرشاد، ومسؤولا عن المكتب السياسي للجماعة بالتوازي مع دوره النقابي والاجتماعي في نقابة الأطباء، مما عرضه للسجن والاعتقال عدة مرات، وكان في كل مرة يحولها إلى خلوة ومعتكف، وفرصة للتحصيل العلمي وإنجاز المشاريع الفكرية التي تؤجلها زحمة الحياة وأعباؤها، وكان أول ما يطلبه من أهله في الزيارة بعد المصحف الشريف كتاب “الحكم لابن عطاء الله السكندري” وكان يقول: في كل مرة أجد فيه الجديد والمفيد، ونعم الأنيس للمرء الحبيس
تربى عصام العريان على قاعدة “الموت في سبيل الله أسمى أمانينا” وربى عليها جيلا من القابضين على الجمر، ولم تكن له مجرد شعار، وإنما عقيدة ومنهاج حياة، وقد حقق الله مبتغاه، وباء بإثمه من قتله، وتجرأ على بنيان الله.
عصام العريان ناضل وصبر، ومن سار على الدرب وصل، فنعمت البداية، ونعم الختام يا عصام…
نَفسُ عِصامٍ سَوَّدَت عِصاما…
وَعَلَّمَتهُ الكَرَّ وَالإِقداما
وَصَيَّرَتهُ شَهيدا هُماما…
حَتّى عَلا وَجاوَزَ الأَقواما.