ذهب جمع من كبار علماء المسلمين من أقطار شتى إلى قادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وبذلوا لهم النصيحة الواجبة لأئمة المسلمين وعامتهم، وذكروهم بالله وحقوق عباده المستضعفين، ودماء الشهداء وملايين المعتقلين والمهجرين، الذين سامهم نظام بشار الأسد سوء العذاب، وفعل بشعب سوريا ما لم تفعله الجيوش الغازية ولا قوات الاحتلال، وبيّن العلماء أن التصالح مع هذا النظام الدموي، يضر بسمعة حركة المقاومة ويخصم من رصيدها، الذي سطرته بدماء شهدائها وتضحيات قادتها وأفرادها، وأن هذه النصيحة مبعثها في المقام الأول الحرص على نموذج حماس التي تسعى لتطهير المقدسات وتحرير فلسطين ومقاومة المحتل، والتي حققت نجاحات وسدت ثغرات، وأحيت روح الجهاد والاستشهاد، حتى أصبحت مصدر فخر للأمة، واعتزاز لدى عامة المسلمين.
والمتابع لمواقف حماس، وإدارة معركتها مع عدوها، وما حققته من نجاحات، يدرك أن ذلك يرجع إلى أسباب كثيرة، في مقدمتها التفاف الأمة حول مشروع حماس وتأييدها، وتعظيم حسناتها والتغاضي عن بعض اجتهاداتها وهفواتها -الخطأ من طبيعة البشر- كما تفهم طائفة من العلماء ما تلجئهم إليه إكراهات السياسة، في ظل الحصار الخانق وشح الموارد، واتجاه بلاد عربية إلى دعم الاحتلال، وتحول الأمر من مجرد هرولة لتطبيع مجاني، إلى مسارعة لحجز مكان تحت لحاف إسرائيل!
لحم الخبيث
وسوغ بعضهم علاقة حماس مع إيران، من باب الضرورة التي تبيح للمضطر أكل لحم الميتة، لكن في حالة المصالحة مع جزار الشام، فإنها إزاء لحم خبيث يحرم أكله حيا وميتا، وإن كانت العلاقة مع إيران تقوم على المصالح -في ظل ما تفعله في العراق و سوريا واليمن ولبنان- وأن حجم المكاسب يجبر قدر الخسائر، فما المكاسب التي سيقدمها نظام لا يملك إلا البراميل المتفجرة، وتصدير المواد المخدرة، حتى ضجت أصوات جيران سوريا من كميات الحبوب “الكبتاجون” المهربة إلى بلادهم، ولم يبق من مقدرات الدولة ولا سيادتها شيئا، حيث تسرح على أرضها وتمرح في أجوائها سوائم الأرض وجوارح السماء، مما يقوي الرأي القائل أن عودة العلاقات مع نظام الأسد مطلب إيراني، وخطوة لتعزيز صفها وتقوية حلفها، وأنها جزء من فاتورة الدعم التي يجب على حماس أن تدفعها.
وهذا يجعلنا أمام سؤال: هل عودة علاقة حماس مع النظام السوري، إعلان عن خطأ القرار الأول الذي خرجت به من دمشق وغادرت على إثره سوريا، وأنها تراجعت عن موقفها المتسق مع مبادئها وأدبياتها، في نصرة الشعب المظلوم، وفض الشراكة مع المستبد الظالم؟
لأن أخطر ما في هذه المصالحة أنها جعلت المصالح قبل المبادئ، وأسست لمنهج خطير يقضي أن يبحث كل فريق عن نجاح مشروعه دون النظر إلى أي اعتبارات أخرى، وسيترتب على ذلك تسويغ جريمة التطبيع بالمنطق ذاته، وإعمالا للقاعدة نفسها.
مبدأ الشورى
من الأسس التي قامت عليها حركة حماس مبدأ الشورى، والمتابع لخط سير الحركة يدرك أن تيارا داخلها كان يحمل فكرة أن إيران ومن حولها أفضل لنا وأكثر نفعا من غيرها، لاسيما مع تغيرات المنطقة الأخيرة، وتحول بعض الدول العربية من الحرب الخفية إلى العداوة العلنية، وتوقف كل وسائل الدعم من دول أخرى، فساعد هذا المناخ الخانق هذا الفريق على توسيع دائرته واستقطاب مؤيدين له، مما أدى إلى قرار المصالحة الأخير وتجاوز الأصل النبوي الأصيل: “المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم” .
وفي النهاية أؤكد على نقاط مهمة:
أولا: حماس ليست مجرد حركة مقاومة تسعى لتحرير أرضها، وإنما هي كتيبة الأمة وخط دفاعها الأول في الدفاع عن مقدسات المسلمين، والسعي لتحرير مسرى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وعلى قدر التشريف يكون التكليف وتكبر المسؤولية.
ثانيا: الخطأ وارد على البشر لاسيما في الاجتهادات السياسية وتقدير المصالح والمفاسد، ومع يقيننا بخطأ موقف حماس الأخير، إلا أن هذا لا يمحو تاريخها المشرف وتضحياتها الكبيرة، ونصيحتنا هذه من باب محبتنا وشراكتنا، فلا خير فينا إن لم نقلها، وسنبقى على العهد لا نقيل ولا نستقيل، من خلال الدعم والتأييد والنصح والتسديد.
ثالثا: نحن على ثقة من أن حماس لو وجدت الكفاف لتسربلت بالعفاف، ولأمسكت عن لحم الميتة إن توفر لها الخبز اليابس وليس اللحم الحلال، وهذه مسؤولية الأمة جمعاء لفك الحصار عنها ومد يد العون إليها، وجعل الأولوية لهم في كل خير، والنصيب الأكبر لهم من كل بر.
أخيرا: أضع أمام قادة حماس من المتشرعين والأصوليين، ما رواه العرس بن عميرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا عملت الخطيئة في الأرض، كان من شهدها فكرهها، كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها، كان كمن شهدها” . سائلا العلي الأعلى أن يأخذ بنواصيهم إلى الحق، وأن يعينهم على التمسك به والعودة إليه .