قراءة في ثالوث حميدتي وبازوم وراشد الغنوشي
أغسطس 17, 2023حقيقة العنصرية.. وخصوصية الحالة التركية
سبتمبر 21, 2023في مدينة ماينز “التاريخية” قضيت فترة مثمرة من فترات العمل الدعوي في ألمانيا، في أحد المراكز الإسلامية التي شهدت تأسيسها، حيث بدأ ناديًا اجتماعيًّا يجتمع فيه المغتربون، ومن جملة خدماته أن يفتح أبوابه يوم الجمعة لأداء الشعيرة، وكلمة “أبوابه” هذه جريًا على العادة، فقد كان له باب واحد، وحجرة في الطابق تحت الأرضي لأداء الصلاة، ثم تحوّل بعد ذلك إلى أحد أهم المراكز التعليمية والحضارية، لا سيما فيما يتعلق بمد جسور العلاقة مع المجتمع الألماني وقياداته السياسية والعلمية، وذلك نظرًا لأن القائمين على المركز من الشباب الذين درسوا في ألمانيا وعملوا بها، وبعضهم تزوج من أهلها، فأصبحت الإدارة مزيجًا أسريًّا ناجحًا، يجمع بين العرب والألمان، ويجسّد التقاء النهرين النيل والراين.
قريش الغرب
لم يكن لهؤلاء الشباب أي توجه فكري مع حزب، أو عمل تنظيمي مع جماعة، وإنما كان رائدهم تحقيق الاندماج الصالح الذي يفيد المجتمع ويحافظ على الهوية، وتهيئة الجو الاجتماعي الذي يخفف من جفاف الغربة، لا سيما في ألمانيا التي كنا نسميها “قريش الغرب”، وإعمالًا لذلك أضاف إمام المركز -بالتنسيق مع الإدارة- تحفيظ القرآن الكريم إلى جوار تعليم اللغة العربية، لكنهم تفردوا عن غيرهم بأنهم لم يقتصروا على العمل في عطلة السبت والأحد فقط، بل أصبح الحضور أغلب أيام الأسبوع، وتحت مسمى “الكُتّاب” ليصبح أول كُتّاب لتحفيظ للقرآن الكريم، بما تحمله الكلمة عند المسلمين من تاريخ وتأثير.
كان من أبرز المهتمين بالمسجد وضيوفه حينئذ، شاب كيميائي من الإسكندرية اسمه علاء العادلي، وكان هو وأسرته يعُدّون المسجد بيتهم الأول، وبيتهم الثاني كان من بيوت الكرم المفتوحة في ماينز، واستطاعوا أن يغيّروا ثقافتي الصعيدية، في التعامل مع المأكولات البحرية، وكانوا من أكثر الأسر سعادة بمشروع الكُتّاب وحرصًا عليه، وكانت ابنتهم الكبرى “فجر” في المرحلة الابتدائية، ويظهر عليها علامات النبوغ المبكر، وجاءت في طليعة من ختموا ربع القرآن الكريم في كُتّاب المسجد، وكنا نسعد بها وهي تعلّق بالتصحيح، لمن لا يحسنون نطق الحروف الألمانية من أصدقاء والدها، ثم انقطعتُ عن ألمانيا وعن الأستاذ علاء العادلي وأسرته، حتى رأيت “فجر”، وهي تنفجر صارخة على الهواء، في مؤتمر صحفي ضم المستشارة أنغيلا ميركل، وضيفها القادم من القاهرة بعد انقلاب عسكري ومجازر دموية، واستطاعت فجر العادلي أن تُذكّر بذلك في كلمات سريعة قبل أن تُخرَج من القاعة، وكانت قد حضرت مع أستاذتها الصحفية التي تتعلم عندها مبادئ الصحافة إلى جوار دراستها للطب، وأصبحت يومها حديث كل وسائل الإعلام.
الأخبار الكاذبة
وبعد مرور سنوات عدة، لم ينس النظام المصري ما فعلته الطالبة الصغيرة في المشهد الكبير، ونظرًا لأن والدها الوحيد من بين أفراد أسرته الذي لا يحمل الجنسية الألمانية، وفي أثناء زيارته لأسرته في 18 أغسطس/آب الجاري، أُلقي القبض عليه في مطار القاهرة، وأحيل إلى النيابة العامة بالتهمة الجاهزة، وهي إشاعة أخبار كاذبة، دون الإفصاح عن ماهية الأخبار طبعًا!
وعندها قررت فجر الطبيبة الشابة، وبدرجة الشجاعة السابقة نفسها، أن تسافر إلى القاهرة، لمتابعة قضية والدها، وتم تعطيل خروجها في المطار، لكن الجواز الألماني، وتواصل فجر مع أصدقائها بالبث المباشر، كان سببًا مباشرًا لخروجها بأمان، ليدفع والدها ثمن تمسّكه بالجنسية المصرية، وثمن ما صدر من ابنته في بلد تكفل حرية التعبير.
لكن هل ستقف منظمات حقوق الإنسان، وجمعيات المرأة مع فجر العادلي وقضيتها العادلة؟
وأين وسائل الإعلام والصحافة من عقاب والد فتاة، كانت ترى أحلامها في العمل الصحفي؟
ولماذا يصر النظام المصري على استخدام الجنسية المصرية وجواز السفر كمصيدة، وأداة عقوبة لمن يخالفهم الرأي؟
كنت معجبًا بالطفلة فجر العادلي ونبوغها، والآن أنا فخور بها وبشجاعتها، وأسأل الله أن يفرّج عن والدها، وسائر المظلومين.