الأقصى والحصار
يوليو 28, 2017ما أبشع الظلم وما أقبح مراتعه وما أفدح نتائجه وعواقبه لذا أخبر الرب القدير أنه حرمه علي نفسه وليس فقط بين عباده
كما جاء في حديث أبي ذَر المشهور “يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ ، يَا عِبـَادِي كُلُّكـُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُـهُ فَاسْتَكْسُونِـي أَكْسُكُمْ ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ”. (مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ). كما أخبر تعالي وتقدس أنه لا يحب الظالمين ولا يفلح سعيهم “إنه لا يحب الظالمين” (الشوري-٤٠). “إنه لا يفلح الظالمون ( يوسف-٢٣).
وكان الظلم سائداً مستساغاً في مجتمع العرب قبل أن تسطع عليهم أنوار الهداية بل كانوا يعتبرون نصرة الظالم حمية وعصبية مما يمدح ولا يعاب “انصر آخاك ظالماً أو مظلوماً “
لا يسألون آخاهم حين يندبهم…. في النائبات علي ما قال برهاناً.
حتى قال حكيمهم دُريد بن الصمًة:
ومَا أنَا إلا من غَزِيَّةَ إنْ غوَتْ ….غوَيْتُ وإنْ تَرشُدْ غزَّيَةُ أَرْشُدِ.
وفاجأ النبي صلي الله عليه وسلم أصحابه بأن أعاد على مسامعهم ما يعتبرونه من أخلاق الجاهلية ومن ذميم العصبية فقال: “انصر آخاك ظالماً أو مظلوماً” فتعجبوا واستدركوا وسألوا واستفهموا “يا رسول الله هذا ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالماً ؟”
لأن الإسلام علمهم إعمال العقل لا إهماله وأن يناقشوا ويحاوروا لا يسيرون سير القطعان، ولا يقلدون تقليد العميان مع أن الكلام من فم المعصوم عله الصلاة والسلام أين من هذه التربية التي أورثت أصحابها الممالك أولئك الذين اعتبروا الضيم ديناً وشعارهم “وإن جلد ظهرك وأخذ مالك؟”!
ولكن كان هذا الطرح من رسول الله صلي الله عليه وسلم من براعة استهلاله ولفتاً لانتباه أصحابه لحديثه ومقاله وتغييراً في الطريقة الأسلوب ليصل إليّ المقصد والمطلوب فبين لهم أن هذا الكلام “انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً “.
وإن كان من أمثال الجاهلية إلا أننا سنضع عليه الصبغة النبوية والبصمة المحمدية فقال عليه الصلاة والسلام مبينياً الكيفية والماهية: “أن تمنع الظالم عن ظلمه فذلك نصرك إياه” أن تنصر الظالم علي نفسه الأمارة بالظلم والسوء، وأن تحجزه عن ظلم الآخرين فقد نصرته ابتداء وحميت المظلوم من بطشه وعسفه فالنبي صلي الله عليه وسلم يدعو إلى منع الظلم من منبعه وحجز الظالم عن فعله صيانة له من مغبته وحفظاً للمظلومين من فجوره وغدرته.
وقد بين أبو بكر الصديق هذا للناس فقال :(أيها الناس إنكم لتقرأون هذه الآية وتضعونها في غير موضعها “يا أيها الناس عليكم أنفسكم لا يضركم من ضَل إذا اهتديتم” (المائدة- ١٠٥)، وإني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا علي يديه أوشك الله أن يعمهم بعقاب منه) .(رواه أبو داوود وصححه الألباني).
فإن عجزنا عن هذه المرحلة انتقلنا إليّ نصرة المظلوم وسعينا في رفع الظلم عنه لأن من خذل مظلوماً خذله الله
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ما من امرئ يخذل مسلماً عند موطن تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته (رواه احمد وحسنه الألباني).
بل إن المالكية يَرَوْن أن القادر علي النصرة يضمن تعويض ما أتلف من المظلوم إن تقاعس عن نصرته. خلافاً للجمهور “عن ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه (لا يتركه)ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة” (البخاري).
فإن عجز الإنسان عن النصرة وإزالة المنكر فأضعف الإيمان أن تغيب عن مسرح الجريمة، أخرج الطبراني رحمه الله “لا يقفن أحدكم موقفاً يُضرب فيه رجل ظلماً؛ فإن اللعنة تتزل علي من حضره حين لم يدفعوا عنه” وإن عجز البشر عن نصرة المظلوم فقد تكفل الله بنصره وفتح له أبواب فضله. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل :“اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ” البخاري ومسلم.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله :“اتقوا دعوة المظلوم فإنها تصعد إليّ السماء كأنها شرارة” (اخرجه الحاكم وصححه الألباني).
وعن ابي هُريرة رضي الله عنه قال رسول الله: “ثلاث دعوات مستجيبات لاشك فيهن دعوة المظلوم ودعوة المسافر ودعوة الوالد علي ولده” (رواه احمد وحسنه الألباني). بل إن الله يستجيب للمظلوم وإن كان عاصياً فاجراً قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:
“دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجراً ففجوره علي نفسه” (رواه احمد وحسنه الألباني)، وما أبلغ ما قاله أبو الطيب رحمه الله والظلم من شيم النفوس… فإن تجد ذَا عفة فلعله لا يظلم.
اللهم اجعلنا من أصحاب النفوس العفيفة والأخلاق الشريفة.