مفتي الإعدامات
يناير 5, 2018المجلس العسكري وثورة يناير
يناير 26, 2018مع تتابع فتوحات الخلافة الراشدة ودخول الناس في دين الله أفواجا أيقن أعداء الإسلام بصعوبة إعاقته ووقف تمدده من خارجه، وأن الطريقة المثلى في النيل منه والكيد له لابد أن تكون من داخله فتسربل أعداؤه برداء المعارضة ورفعوا شعار المطالبة بحقوق آل البيت النبوي والموت لأعدائهم، وهي نفس الشعارات التي ترفع حتى الآن وتلقى قبولا عند كثير من الطغام والعوام.
ونجحت هذه الكتائب المندسة في قتل الخليفة الثالث صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهيد المظلوم عثمان بن عفان رضي الله عنه وكانت هذه هي البذرة الخبيثة التي ترعرعت منها شجرة الرفض والتشيع والتي مثلت الطعنة الكبرى التي بقي آثارها في جسد الأمة حتى الآن؛ وفي المقابل تطرف فريق في الاتجاه المعاكس واتخذ الغلو في التكفير شعارا واستحلال الدماء المعصومة دثارا
لكن نظرا لنفور الفطر السليمة من هذا المسلك ولأن الأمر مرده إلى الانحراف الفكري وعدم فهم النص الشرعي دون خيانة أو باعث من حسد أو انتقام، بقي فكر الخوارج وجماعات التكفير كموجات موسمية أشبه بردات الفعل لما يقابلها من تطرف مضاد، إلا في حالة تنظيم الدولة الإسلامية المعروف بداعش فقد جمع بين السوأتين وارتكب الخطيئتين.
فكانت داعش أخطر مكيدة وأكبر خنجر طعن به الإسلام في العصر الحديث، وثاني أكبر مكيدة بعد التشيع والغريب أن البعض يطالب بقبولهم لوقوفهم ضد مجازر الحشد الشيعي، وكأنه حتم علينا الاختيار من بين الشرين !، كالذي خيروه في وسيلة الإعدام بين الخنق والشنق فقال: كله في الرقبة..
وبعد دراسة ما توفر من مصادر ومناقشة بعض الدواعش أو من ناظرهم تبين لي أن التنظيم يقوم على ثلاثة مستويات:
الأول:
القاعدة العريضة وفيهم خيرة شباب الأمة من عشاق الجهاد والاستشهاد الذين أوقعهم هذا الحب تحت راية عمية لقلة العلم وانعدام الخبرة والتجربة وما تعانيه الأمة من ويلات على يد أعدائها وعدم ظهور رايات الجهاد على بصيرة وأخطر ما في هذا التنظيم هو الإنفاق ببذخ وسرف من هذا المخزون الهائل من طلاب الشهادة الذين يمثلون أغلى ما تملكه الأمة من قوة، وهم كتيبة الردع التي قل نظيرها في غيرها من الأمم
الثاني:
طبقة المنظرين والمعلمين ويغلب عليهم فكر التكفير والاستحلال وكثير منهم كانوا أعضاء في جماعات التكفير في مصر وغيرها
الثالث:
طبقة القادة وهي الطبقة المخترقة التي ما من جهاز استخبارات إلا وله فيها سهم أو نصيب ويحرصون على عدم الاحتكاك بالقاعدة العريضة إلا من خلال إصدار الأوامر والتكليفات عن طريق وسطاء تحت ذريعة الحرص الأمني وتأمين القيادات. وأخطر ما في استراتيجية داعش أنهم بعدما حكموا على مخالفيهم من المسلمين بالكفر واستحلوا دماءهم تبعا لذلك انتقلوا إلى تطبيق قاعدة: أن قتال المسلم المرتد أولى من قتال الكافر الأصلي بمعنى أن قتال حماس أولى من قتال الصهاينة، وقتل السوريين أوجب من جهاد الروس!!
لذا فإن الدواعش لا يعانون فقط من خلل فكري أو غبش عقدي وإنما من انحراف كامل في البوصلة.
واستطاع أعداء الإمة أن يصلوا من خلالهم إلى ما عجزت عن تحقيقه جيوشهم والذي ينظر إلى النتائج والمآلات في الموصل العراقية ومثيلاتها من المدن السورية لا يخفى عليه ذلك.
ولا ينقضي العجب من أن أعداء الإسلام والعرب أعلنوا أنهم سيسعون للقضاء على داعش خلال عشر سنوات أو يزيد وهنا ظهر الكرم العربي فأعلنوا الموافقة على التمويل وشراء السكين التي ستقطع أوداجهم من الوريد إلى الوريد، واللافت أن التحالف العالمي ضد داعش يسمح لهم بالتنقل بين الدول دون أن يتعرضوا لقصف جوي، أو أن تسفر المعارك معهم عن أسرى من هذا التنظيم السحري.
ولا تقتصر الداعشية على أصحاب هذا التنظيم فقد غدت منهجا وسلوكا ينتهجه سكان القصور وليس فقط أصحاب الجبال والكهوف فكل من ولغ في الدم الحرام واعتدى على الأنفس المعصومة واستباح الأموال المحترمة فهو داعشي داشر.
لكن تبقى الحالة المصرية متفردة عن نظيراتها حيث استطاع السيسي بطريقته في التعامل مع أهل سيناء في توحيد مكوناتهم طلبا لثأراتهم، وأصبح مهرب السجاير وصاحب الفكرة أو المشروع مع من هدم بيته أو قتل ولده أو شردت أسرته يدا بيد ضد دولة العساكر، وإن كانت داعش هي من تحارب النظام ومن وراءه فكلنا دواعش!!
ومن هنا ظهرت ولاية سيناء.
لذا قوبل تصريح شيخ الأزهر أحمد الطيب بعدم تكفير داعش بالاستهجان من الأذرع الإعلامية الموجهة التي تسعى إلى تأجيج الموقف واستدامة الصراع لأنه شماعة البقاء والاستمرار
وإننا نؤكد على ما قرره شيخ الأزهر لأن بيان خطورة هذا التنظيم وانحرافه العملي والعقدي ليس مسوغا للحكم بكفر عناصره وردتهم مع قولهم بكفرنا وردتنا فهناك فرق بين الأحكام الشرعية والمكايدات السياسية، وإلا كنا نحن وهم في الضلال سواء. وقد سئل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن كفر الخوارج فقال: بل هم من الكفر فروا! مع أنهم كفروه ثم قتلوه.
وهذا يحتم على علماء الأمة بذل مزيد من الجهد في نفي الشبه التي توقع الشباب في شباك هذه التنظيمات بالتوازي مع صدعهم ببيان الحق ومراغمة الطواغيت ومجابهة استبدادهم وإلا فلن يصغي إليهم أحد لأن الفساد والاستبداد هما البيئة الخصبة التي تستزرع فيها النبتة الخبيثة وتكفل لها البقاء والنماء.