قصة جبهة الانقلاب كقصة العميان مع الفيل، حيث اعتبر كل أعمى منهم أن الفيل هو الجزء الذي وصلت إليه يده. فقد أطلع العسكر شركاءه في الانقلاب على الجزء الذي يروق لهم ويسيل عليه لعابهم واحتفظوا لأنفسهم بصورة الفيل الكاملة.
ليس هذا تكهنا أو رجما بالغيب فكان د. محمد البرادعي ومن خلفه التيار المدني موعودا بإزاحة الإخوان المسلمين وتنحية تيار الإسلام السياسي لتخلو لهم الساحة ويصلوا إلى الحكم بمساعدة صناديق الذخيرة بعد أن فشلوا في صناديق الاقتراع؛ وهذا ما بدت ملامحه في أيام الانقلاب الأولى حيث أعلن عن تعيين د. البرادعي رئيسا للوزراء ثم خفف القرار إلى نائب للرئيس المؤقت الذي لا يملك من أمره شيئا!
وتم مع الوقت إزاحة التيار المدني بالكامل الذي أثبت أنه أكثر سذاجة من التيار الإسلامي الذي لدغ أمامه من جحر العسكر مرتين!
أما حزب النور فأمسك من الفيل بمجلس الشورى حيث وعد العسكر ببقائه ولم يتعرض له السيسي في بيان الانقلاب ثم حله لاحقا واعتقل غالبية النواب.
وكان النائب عبد الله بدران رئيس الهيئة البرلمانية لحزب النور قد اتصل بي بعد الثالث من يوليو ودعاني للحضور إلى مجلس الشورى وأكد لي أن المجلس خارج الموضوع. كما داعب خيالهم أن إزاحة الإخوان المسلمين ستجعلهم في الصدارة على عادة تناوب الجمهوريين والديمقراطيين، باعتبار أنهم ثاني أكبر كتلة برلمانية؛ وفاتهم أن العساكر لا ينقلبون لصالح الغير.
وبدا تأييد حزب النور لانقلاب السيسي في البداية خجولا وعبروا أنهم في حكم المضطر الذي يباح له أكل الميتة، وأن بقاءهم في المشهد للحفاظ على المكتسبات السابقة وتعزيز مواد الشريعة التي نص عليها الدستور وكان السيسي قد أعلن عن تعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت.
ثم أعلن عن تعديل الدستور وانتهى الأمر بكتابة دستور جديد، لم يسمح فيه لحزب النور إلا بممثل واحد، وكانوا قبل ذلك أصحاب الحظ الأوفر والصوت الأعلى وحذفت المواد، التي زعموا أنهم مستمرين لحمايتها، حتى مادة الأوقاف التي تدر على خزينة الدولة السمن والعسل ألغيت لأنها من جملة مواد الشريعة.
ثم جاءت انتخابات أول مجلس نواب بعد الانقلاب فحصل حزب النور فيها على ١٠ % من عدد المقاعد التي كان قد حصل عليها في السابق بل خرج من بعض المحافظات صفر اليدين كما في محافظة سوهاج التي تقدمت فيها قائمة تحالفه مع حزب البناء والتنمية على قائمة الإخوان وحصلوا على خمسة أعضاء من القائمة ونجح كل الأعضاء المرشحين على المقعد الفردي بنسبة ١٠٠% في برلمان ٢٠١٢ .
والفارق أن الناخب أدرك أنهم جزء من الانقلاب على إرادته وثورته بل إن بعض من ترشح منهم لم يحصل على أصوات أسرته!
ثم تحول حزب النور من مرحلة أكل الميتة إلى استطابتها وتدويرها ودعوة الناس إليها فأعلنوا دعمهم لترشح عبد الفتاح السيسي لولاية ثانية استكمالا للمسيرة
ويكونوا بذلك قد فارقوا حكم المضطر وأصبحوا شريكا فاعلا ومؤيدا راضيا عن كل جرائمه في حق مصر وشعبها، بداية من التفريط في منابع النيل مرورا ببيع تيران وصنافير بالإضافة إلى عشرات الآلاف من السجناء والمعتقلين الذين تعج بهم السجون المصرية وآلاف الأبرياء الذين قتلوا في الشوارع والميادين أو نصبت لهم أعواد المشانق.
ومما يجدر لفت الأنظار إليه أن الشارع الذي أباح للمضطر أكل الميتة أمره أن يأكل منها قدر ما يسد رمقه ويحفظ عليه حياته ولا يصطحب منها ولا يأخذ فوق الحاجة، أما حزب النور فقد أكل من لحم الميتة حتى نبت لحمه وسمن وساغت لهم حتى أدمنوها…. وتلك عادة من اتبع خطوات الشيطان، وهوى في دركات التنازل والهوان.
روى العرس بن عميرة الكندي –رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم – قال: (إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها وكرهها – وفي رواية – فأنكرها – كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها). أخرجه أبو داوود وجاء في حديث أم سلمة –رضي الله عنها- مرفوعاً: (ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف برئ، ومن أنكر سلم ولكن من رضي وتابع…).