اجتمع المحب والكاره على متابعة ما تسفر عنه انتخابات تركيا وكان حدثا عالميا نافس مباريات كأس العالم الحدث الأبرز الذي يسيطر على جل اهتمامات المتابعين في هذه الأيام.
وبدا ترقب عموم الناس واضحا في عموم بلاد المسلمين ثم أظهروا فرحهم بفوز الرئيس أردوغان بما يؤكد أنه يمثل عند الكثيرين بداية عودة أمة وانعتاقها من أغلالها.
وكان الأليق وسط هذا الاحتشاد الدولي الكبير أن يتوارى الإعلام المصري عن المشهد حتى لا تحدث المقارنة التي لن تكون في صالحه على أية حال.
قبل أردوغان بالانتخابات الرئاسية المبكرة وتنازل عن سنة من مدة حكمه ليقطع الطريق على المتربصين به وببلده ويتفرغ لتثبيت الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي، في الوقت الذي اتخذ فيه السيسي وأذرعه المختلفة الانتخابات الرئاسية المبكرة التي روجوا لها ثم نكصوا عنها غطاء لخلع الرئيس المنتخب ووأد تداول السلطة عبر صناديق الاقتراع وظن التيار المدني الذي وافقهم على ذلك أن صندوق الذخيرة هو من سيمكنهم من مقاليد الحكم!!
وسعى السيسي للحصول على الشرعية من خلال العودة الشكلية إلى صناديق الاقتراع، ولكن الشعب المصري أدرك أنه لا قيمة لصوته وأن خروجه للتصويت ديكورا لا قيمة له وأن الجنرالات داسوه بالبيادة لعودة دولتهم العسكرية التي أزاحتها ثورة الخامس والعشرين من يناير، ولم يستطيعوا التكتم على عزوف الناس عن المشاركة مع حرصهم على ظهور صورة انتخابات فعمدوا إلى مد أجل التصويت ولوحوا بالعقوبات المادية والغرامات، أما تركيا فقد بلغت نسبة الحضور قرابة 90 % متفوقة على بلاد الديمقراطيات العتيقة ما يدل على ارتفاع نسبة الوعي وإدراك قيمة الصوت
ومن أوجه الشبه المضحكة أنه ترشح ضد أردوغان ستة مرشحين من كل أطياف وتوجهات المجتمع التركي فيهم العلماني والإسلامي الأتاتوركي والكردي
بل إن مرشح حزب الشعوب الديمقراطي “صلاح دميرطاش” المسجون بتهمة دعم حركات إرهابية كردية ترشح من داخل السجن وبث له التليفزيون الرسمي خطابات الدعاية من محبسه، وكان يدير حملته الانتخابية عبر وسائل التواصل المختلفة بل شاهدنا صناديق الاقتراع داخل السجون وتفوق دميرطاش على أردوغان في لجنة سجنه كما نقلت ذلك وسائل الإعلام، في الوقت الذي اعتقل فيه عبد الفتاح السيسي كل من فكر في الترشح ضده من المدنيين أو العسكريين على حد سواء وانتقلنا من مرحلة المطالبة بحرية النشطاء وشباب الثورة إلى الحرية لسامي عنان قائد الجيش ورئيس الأركان!
وليته أطلق سراحهم بعد انتهاء المسرحية التي عرضت بإخراج رديء حيث داهمهم الوقت من دون تجهيز من يقوم بدور المرشح، فاختاروا شخصا خاض غمار الانتخابات ولم ينشغل الناس بمعرفة اسمه!
ثم خرجت النتيجة التي لا يقبل الطغاة غيرها سواء في عهد عبد الناصر وحافظ الأسد أو السيسي وبشار وهي الأكثر من 90%
وهي النسبة نفسها التي حافظ عليها حسني مبارك طيلة ثلاثين سنة ثم خلعه الشعب الذي ادعى أنه اختاره بها بل وخطط لتوريث هذا الإجماع من بعده؛ في الوقت الذي رأينا فيه أردوغان يربح أكثر من عشر انتخابات متتالية ونسبته فيها كسائر انتخابات البشر فوق الخمسين بقليل، ويوم أن أجريت في مصر انتخابات حقيقة فاز فيها الرئيس محمد مرسي بالنتيجة نفسها.
وجريانا على قول الشاعر:
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد/ وينكر الفم طعم الماء من سقم.
فإن الإعلام المصري تجاوز الرمد إلى الانفصال الشبكي فأعلن اعتراضه على نتيجة الانتخابات التركية، وأخذ على عاتقه المطالبة بحقوق المرشح المنافس محرم إينجه الذي خرج بنفسه ليعلن خسارة المعركة وتقبل النتيجة وأنها لم تختلف عن الأرقام المرصودة لدى حملته وأن شرف الخصومة يحتم عليه تهنئة الفائز مما جعله يحظى باحترام وتقدير الجميع وهذا ما يحدث في كل الدول التي تحترم اختيارات شعوبها وتؤمن بالتداول السلمي للسلطة.
ومع علم القاصي والداني بخصومتي للنظام العسكري الجاثم على صدور المصريين وبراءتي من أذرعه الإعلامية التي لا تمت إلى الإعلام أو الواقع بصلة، فإن هذا التردي الذي لا قاع له أحزنني لأنه كتب في جمل وأسطر فيها اسم مصر، رفع الله عنها البلا والوبا.