السودان بين روح الثورة، وسماحة الفطرة.
ديسمبر 28, 2018الغنوشي بين عسكرية البشير، وعلمانية أردوغان
يناير 11, 2019سعى محمد بن سلمان إلى إفراغ لقب “آل الشيخ” من ظلاله التي استقرت في نفوس الناس بالعلم والفقه، فأصبح أشهر من يعرفه الناس ممن ينتسبون إلى هذا البيت الكريم هو “تركي آل الشيخ”
كان من القليل النادر أن تجد في تصرفات ملوك السعودية ما يخالف الصورة العامة التي يعلنوها من الحرص على سلامة التوحيد، ونشر السنة، والاهتمام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما يحدث خلاف المعلن، فتحت جنح الظلام، وفي تكتم شديد، أو في البلاد التي توفر لهم ما يريدون بعيدا عن أنظار العامة وعدسات الإعلام.
ومع طي صفحة الأولاد ووصول الأحفاد إلى سدة الحكم بدا الأمير محمد بن سلمان متعجلا في الوصول إلى العرش، وغير مكترث بالتخفي خلف الأقنعة التي لبسها أعمامه، فخرج عن طاعة ولي العهد الأمير محمد بن نايف وعزله، وتولى ولاية العهد مكانه، فيما يعرف بانقلاب القصر وهو النسخة الملكية من الانقلابات العسكرية، بل زاد الأمر وضوحا وفضوحا على جميع الأصعدة.
فعلى صعيد العقيدة والمنهج بين أن الدولة كانت مختطفة في العقود الثلاثة الأخيرة لأفكار يجب تجاوزها، والتخلص منها، أما الدعوة الوهابية التي نشأت المملكة السعودية في كنفها، وعلى أكتاف رجالها وتقاسم آل سعود مع آل الشيخ محمد بن عبد الوهاب النفوذ والسلطة فيها وصار في حكم الدستور أن الحكم والسياسة لآل سعود، والدعوة والفتوى لآل الشيخ ..
حتى أعلن محمد بن سلمان أن نشر الوهابية لم يكن إلا تنفيذا لرغبة حلفائنا من حكام الغرب!
كما سعى إلى إفراغ لقب “آل الشيخ” من ظلاله التي استقرت في نفوس الناس، فهي كلمة ارتبطت في أذهان العامة بالعلم والفقه، فأصبح أشهر من يعرفه الناس ممن ينتسبون إلى هذا البيت الكريم هو “تركي آل الشيخ” الذي بدأ مشواره في عالم الرياضة وحاول أن يوحد القطرين، ويجمع ملف الرياضة المصرية والسعودية في يد واحدة، لكنه مني بهزيمة ثقيلة من جماهير النادي الأهلي المصري، قضت على طموحاته الرياضية وقصرت عمره في ميادينها، وجعلوه يكره دعاء “طال عمره” ويحذفه من قاموسه، ولا يقبل سماعه من أحد!
لكن يبدو أن عالم الرياضة كان مقدمة لانتقال “تركي” إلى مجال الفن والطرب، الذي يدعي أن مواهبه فيه أكبر بكثير من عالم الرياضة، فنقل إلى رئاسة هيئة الترفيه، وهي الهيئة المسؤولة عن الحفلات الغنائية وخطة نشر دور السينما في ربوع المملكة السعودية، بالإضافة إلى باقي أنواع الترفيه الأخرى، وقد استحدثت هيئة الترفيه بعد تجميد محمد بن سلمان لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!
ليصبح اسم “آل الشيخ” يتردد مع كل حفل، أو في الفاصل بين الأغاني، ولم يتوقف الحد عند تلويث اسم “الشيخ” ورمزيته، بل عمدوا إلى منطقة “الدرعية” مركز دعوته التي كانت ترادف كلمة الوهابية، وتحمل مدلولاتها فأقاموا فيها حفلات الغناء والمجون، حتى إذا كتبت الآن في محركات البحث كلمة “الدرعية” ستخرج لك مقترنة بسباق الفورمولا، وما تبعه من مناكر، بعدما كانت مقترنة بالإمام محمد بن عبدالوهاب ودعوته ..
وفي الوقت الذي اجتهدت فيه السعودية في طمس أي أثر من آثار النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته بدعوى محاربة الشرك والبدع، إذ بالسعودية السلمانية الجديدة تستقدم المغنيين والمغنيات لإقامة حفلات رأس السنة الميلادية (مع أنهم يرون الاحتفال برأس السنة الهجرية بدعة !) ..
واختاروا منطقة مدائن صالح التي أهلك الله فيها ثمودا ليقيموا فيها الاحتفال الصاخب، ضاربين عرض الحائط بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تنهى عن مجرد الدخول إليها أو المكث فيها ..
ومن ذلك ما أخرجه البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: لما مر النبي صلى الله عليه وسلم بالحجر (قرى ثمود) قال: لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم أن يصيبكم ما أصابهم إلا أن تكونوا باكين، ثم قنع رأسه، وأسرع السير حتى أجاز الوادي.
وأخرج بسنده أيضا، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين، إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثلما أصابهم.
وروى أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل الحجر في غزوة تبوك أمرهم ألا يشربوا من بئرها، ولا يستقوا منها، فقالوا: قد عجنا منها، واستقينا، فأمرهم أن يطرحوا ذلك العجين، ويهريقوا ذلك الماء.
بل استطاع محمد بن سلمان على المستوى السياسي خلال أقل من عامين أن يكشف ما اجتهد أعمامه في ستره في ثمانين سنة، فأظهر أن تدمير اليمن من أولويات آل سعود، وأن تنامي قوة اليمن يرونه خصما من رصيد المملكة ..
وأظهر للعيان أن هذا ما أوصى به جده، وتواصى به أعمامه، أولئك الذين حاولوا أكثر من مرة تغيير نظام الحكم في قطر من خلال الاجتياح أو الاغتيال، وسار هو على خطى أسلافه، لكنه ورث منهم الفشل أيضا، فغير خطة الاجتياح والاحتلال، إلى المقاطعة والحصار.
وكان عامة المسلمين لا يعرفون عن حكام السعودية إلا خدمة الحرمين، وحجاج بيت الله الحرام، أما الآن فارتبطت سيرتهم بسجن العلماء، وصد الحجاج، والقبض على المعتمرين، وقتل المعارضين ونشرهم بالمناشير.
ربما رأى محمد بن سلمان أن تغيير الثوابت، وتخطى الخطوط الحمراء أهم ما يؤهله إلى نيل الرضى، والوصول إلى العرش ..
لكن فاته أن من بارز الله بالمعاصي وأخاف القاصدين لحرم الله الآمن، وجلب المغنيين إلى مدينة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، واستخف بآثار المعذبين والمهلكين، أنه سعى في سخط الله واستعجل عقوبته، وهو الذي بيده الخلق والأمر، ومن تعجل شيئا قبل أوانه، عوقب بحرمانه.
(وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ)