سيد قطب.. وحقيقة خصومه
يناير 18, 2019مصر بين الدولة الدينية والعسكرية
فبراير 1, 2019في الذكرى الثامنة لثورة الشعب المصري لاستعادة حريته التي استلبها العسكر، وحول حكم البلاد من الملكية الوراثية التي كانت تسمح بالتعددية الحزبية، إلى الملكية العسكرية التي لا تعرف إلا حزب الزعيم الملهم، الذي لا يسأل عما يفعل…!
خرج طليعة من شباب مصر في الخامس والعشرين من يناير يطالبون بإنهاء الوصاية العسكرية، وإيقاف مسلسل التوريث الذي اكتملت ملامحه تمهيدا لانتقال السلطة إلى مبارك الابن ليجمع بين حكم عائلي انبثق عن ميراث عسكري!
وسرعان ما اتسعت دائرة الاحتجاج وانضم إلى الشباب قطاعات كبيرة من الشعب الذي حول المظاهرات إلى بدايات ثورة، رفعت شعارها الشهير الذي ستبقى أصداؤه تتردد في ذاكرة التاريخ: “الشعب يريد إسقاط النظام” ..
لكن المؤسسة العسكرية استطاعت أن تجعل ثمرة الثورة تسقط في حجرها وحدها، وساعد على ذلك أن غالبية من قامت على أكتافهم الثورة من الشباب الذين لا خبرة لهم في التعامل مع العسكر، ولا علم لهم بأحابيلهم وأباطيلهم، وما تنطوي عليه نفوسهم من مكر وختل….
والقطاع الذي لدغ منهم قبل ذلك لم يستوعب الدرس، بل ومستعد لأن يُلدغ في كل مرة من ذات الجحر، حتى أصبح يعاني، من الإدمان على سم الأفاعي! باستثناء أصوات هنا وهناك لم يستمع إليها أحد!!
ما حدث في الخامس والعشرين من يناير بداية ثورة ما زالت مستمرة، ونشاهد فصولها التي لم تكتمل حتى الآن…؛
لأن حجم ما قدمه الثوار من تضحيات خلال ثمانية عشر يوما، لا يفي بالثمن الكبير المطلوب لفك قيود الاستبداد، وتفكيك منظومة الفساد التي بنيت في ستين سنة ..
ومن أهم منجزات الثورة خلع حسني مبارك “وإن بقي نظامه” ، والقضاء على آماله في توريث الحكم لأنجاله، وإيصال رسالة الشعب جلية، إلى بلطجية الداخلية، الذين عاثوا في الأرض الفساد، وأذلوا رقاب العباد ..
وكما سجل الخامس والعشرين من يناير عام 1952 ملحمة الشرطة البطولية في الإسماعيلية، سجل عليهم أيضا هروبهم بالملابس الداخلية، أمام ثورة الشعب الغاضب من ممارساتهم القمعية ..
وكذلك نجحت ثورة يناير في أن يتنسم الشعب المقهور عبق الحرية، ويرى أثرا لصوته في رسم الخريطة السياسية، فانتخب برلمانا دون رشاوي أو تزوير، وتوافق على اللبنات الأساسية التي يقوم عليها الدستور ..
وكان من تجليات يناير، إجراء أول انتخابات رئاسية تنافسية بين مرشحين يمثلون كافة الطيف المصري، أفرزت رئيسا مدنيا بفارق أصوات قليلة عن أقرب منافسيه، كما يحدث في أعرق عواصم الحريات، واختفت لأول مرة نسبة الأربع تسعات، التي لا تمت للحقيقة بصلة.
وفي الوقت الذي كانت فيه ثورة يناير تثبت أقدامها، وتحاول تحقيق بعض أهدافها، كان الجيش يخطط لاقتلاعها من جذورها، لعودة مصر إلى سيرتها الأولى ..
إذ كان المجلس العسكري خلال الفترة الانتقالية التي قاربت العامين، قد شوه وجه الثورة، وبغضّها للعوام، ثم قام بحل البرلمان، وتمكنت الدولة العميقة من ترتيب صفوفها تحت المظلة العسكرية، ودفعوا بأكثر من مرشح أمام المرشحين المنتسبين إلى معسكر الثورة ..
وكانت جولة الإعادة بين د. محمد مرسي والفريق أحمد شفيق آخر رئيس وزراء في زمن مبارك!
وتعمد المجلس العسكري تأخير إعلان النتيجة عدة أيام، أملا في إنهاء حلم يناير عن طريق صناديق الاقتراع، ولكن فرز الأصوات داخل اللجان الفرعية، واحتشاد الجماهير في الميادين حال بينهم وبين ما يشتهون، فأعلنوا نجاح د. مرسي إلى حين، وعادوا إلى السلاح الذي يجيدون استخدامه، فأزاحوا الرئيس الذي جاءت به صناديق الاقتراع، بقوة صناديق الذخيرة!!
وهنا قرر التيار الليبرالي والعلماني أن يزاحم التيار الإسلامي ويأخذ نصيبه من لدغ العساكر فوضع يده في ذات الجحر متصورا “أن الحداية بتحدف كتاكيت”! وأن العسكري سيمتطي صهوة دبابته، ليوصل سعادته إلى سدة الحكم، ويقدم له التحية!
لأنه حتى تلك اللحظة كان هناك من يصدق أكذوبة أن الجيش حمى الثورة، وأن اللواء الفنجري كان يؤدي التحية لشهدائها عن رضا واقتناع!
نجحت ثورة يناير في كشف هذا الزيف، وأظهرت للشعب أن الشرطة تؤدي دورها نيابة عن العسكر، الذي فاقت وحشيتهم ممارسات الشرطة بمراحل، وأنها القفاز الذي يخفي قذارة أيديهم، مع وجود الأطراف المساندة التي تؤدي دورها فيما يوكل إليها من مهام، ويأتي في مقدمتها أذرع الإعلام التي فاقت الوصف، وتجاوزت الحد، ثم قضاة الجور، مرورا بدعاة السلطة، وجوقة المنافقين، وتنافس في هذا كهنة الكنائس، وعمائم السلاطين!
أما كتيبة حزب النور ” السلفي” فقد تفوقت على الفريقين المتنافسين من السدنة، لأنها أعدت سلفا لمثل هذه المرحلة، كما صرح بذلك كبار المسؤولين في وزارة الداخلية.
نجحت ثورة يناير في إظهار فشل الحكم العسكري، وافتقاره لأبسط قواعد الإدارة، وأوليات علم السياسة، لذا ستكون النسخة العسكرية الحالية _ وهي الأردأ بين مثيلاتها هي النسخة الأخيرة، وآخر صفحات السجل الأسود.
ولا أدرى لماذا يتنكر عبد الفتاح السيسي لثورة يناير التي لولاها لكان في أحسن أحواله محافظا للوادي الجديد، أو سفيرا في تنزانيا…!
ثورات الربيع العربي، وفي القلب منها الخامس والعشرين من يناير فتحت باب التغيير، ورأى الناس من خلالها إمكانية ذلك، كذلك رأينا كيف نظمت الثورة المضادة صفوفها، بل وأصبحت يدا واحدة متجاوزة حدودها القطرية، فالسعودية تستقبل زين العابدين بن علي، والإمارات تخوض حربا في ليبيا، وأسسا معا تحالفا لتدمير اليمن، ويستثمران في انقلاب مصر!
وأصبح هذا واقعا لا ينكره أحد؛ ألا يجدر بأهل الحق إذن أن يتحدوا في مجابهة تكتل الباطل، حتى تربح ثورة الشعوب جولتها القادمة، على حساب الثورة المضادة؟