مصر بين الدولة الدينية والعسكرية
فبراير 1, 2019الرئيس عبد الفتاح بوتفليقة
فبراير 15, 2019لا يخفى على أحد الآن أبعاد المشروع السياسي الذي يتبناه محمد بن زايد ولي عهد الإمارات، والحاكم الفعلي لها، بعد أن تحول حكام باقي الإمارات الستة إلى محافظين يتبعون قرار العاصمة أبو ظبي!
تخطى محمد بن زايد هذه المرحلة، وقطع شوطا كبيرا في جعل أبو ظبي عاصمة للقرار العربي، بعد دعم عبد الفتاح السيسي في الانقلاب على د. محمد مرسي الرئيس المنتخب، ثم دعم محمد بن سلمان في الانقلاب على ابن عمه الأمير محمد بن نايف ولي العهد المبايع!
أصبحت الشقيقة الكبرى عربيا (مصر)، والشقيقة الكبرى خليجيا (السعودية)، يدينان بالفضل “لبوخالد” وانضموا لفريق: “الله يطول بأعمار شيوخنا”!
ولعل نجاح مخطط محمد بن زايد إلى الآن في حرب اليمن، وفرض أجندته في ليبيا، أكبر دليل على هذه المقدمة.
لكن بالتوازي مع مشروع أبو ظبي السياسي، ظهر لها مشروع ديني، ربما تحتاج في تحقيقه إلى أضعاف الجهد المبذول في المشروع السياسي، لأنها إن استطاعت أن تسلس قياد جنرال متطلع إلى السلطة، ويده ملطخة بالدماء، وأمير شاب متطلع إلى الملك ولا يحمل من مؤهلات القيادة إلا نسبته إلى أبيه، فكيف ستضع قدما بين الشقيقتين؟ وإحداهما فيها الحرمين الشريفين، والثانية بلد الأزهر الشريف؟
بدأ المخطط بإنشاء مجلس للحكماء على غرار الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي أسسه الإمام يوسف القرضاوي، لكن مجلس الإمارات ترأسه د. أحمد الطيب شيخ الأزهر، وتم استقطاب الشيخ الموريتاني عبد الله بن بيه، أحد نواب القرضاوي إليهم، وبدا واضحا أنهم يرفعون راية الصوفية، وينتهجون عقيدة الأشعرية، في مخاصمة واضحة للمدرسة الوهابية، التي قامت عليها أسس المملكة السعودية، وتأكد ذلك علانية من خلال مؤتمر “جروزني” الذي أقيم في الشيشان بحضور مجلس حكماء الإمارات الذين حددوا مفهوم “أهل السنة والجماعة” من دون أن يدرجوا تحته المدرسة الوهابية، وأكد الداعية اليمني على الجفري أن هذا المؤتمر باكورة مؤتمرات أخرى، ستضع النقاط على الحروف في المسائل العقدية والفكرية، ولم تعلق المملكة السعودية ولا علماؤها على هذا الأمر من قريب أو بعيد!
ويعتبر على الجفري هو منظر المشروع الإماراتي والقائم عليه، ولعل هذا أحد أهم أسباب حفاوة السيسي وإعلامه به بعد طرده من مصر قبل ثورة يناير، ثم خطت أبو ظبي خطوة أكبر حيث أقامت قبل أيام قداسا لبابا الفاتيكان حضره عشرات الآلاف، غالبيتهم من تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات، الذين حملتهم حافلات خاصة للحصول على بركة البابا فرانسيس!
ثم عقد البابا مع شيخ الأزهر مؤتمرا عن التسامح، وقيم الإنسانية بعد يومين من منع حكومة الإمارات جماهير قطر من حضور مباراة كرة قدم تقام على أراضيها ضمن كأس آسيا! بل منعت بعض العمانيين لما أظهروا تعاطفهم مع الفريق القطري، وظهرت تصرفات لا تليق بالروح الإسلامية ولا الرياضية، ولا حتى أخلاق الجاهلية، في التعامل مع الضيوف، ناهيك عن الاشقاء والجيران!
لكن يبدو أن تسامح أبو ظبي خاص بغير المسلمين!
كما قال شوقي رحمه الله:
أحرام على بلابله الدوح
حلال للطير من كل جنس!
كل دار أحق بالأهل إلا
في خبيث من المذاهب رجس!
وفي نهاية المؤتمر أعلن محمد بن زايد عن مظلة شاملة تجمع الأديان الثلاثة، اليهودية والنصرانية والإسلام، وأطلق عليها الديانة الإبراهيمية، باعتبار انتساب الأديان الثلاثة إلى إبراهيم عليه السلام.
وقام بالتوقيع على الوثيقة شيخ الأزهر والبابا، وولي العهد، ولا أدري من الذي وقع نيابة عن اليهود؟
وبذلك خرج محمد بن زايد من حدود الأشعرية التي يمثلها الأزهر، والوهابية المتمثلة في السعودية، إلى فضاء أوسع من دين محمد صلى الله عليه وسلم وهو الانتساب إلى المصدر المشترك ليصبح الجميع (إبراهيميين) متجاوزا ما صرح به القرآن الكريم في قوله تعالى:
(مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا ولكن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)
والملفت للنظر أن السعودية، وكبار علمائها لم ينبسوا ببنت شفة تعليقا على ذلك، ولا يخفى على شريف علمهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه ابن شهاب وأخرجه مالك في الموطأ:
(لا يجتمع في جزيرة العرب دينان) فأرض الجزيرة العربية مهبط الوحي، وعاصمة الإسلام، التي لا ينبغي أن ينازعه فيها دخيل أو شريك، وهذا ما أكدت عليه فتاوى اللجنة الدائمة يوم أن كان على رأسها مفتي السعودية السابق الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ومنها:
“من زعم أن اليهود على حق، أو النصارى على حق، سواء كان منهم أو من غيرهم فهو مكذّب لكتاب الله تعالى، وسنة رسوله محمد ﷺ وإجماع الأمة، وهو مرتد عن الإسلام، إن كان يدّعي الإسلام بعد إقامة الحُجة عليه، إن كان مثله ممن يخفى عليه ذلك”.
وأخرى: “كل دين غير دين الإسلام هو كفر وضلال، وكل مكان يعدّ للعبادة على غير دين الإسلام، فهو بيت كفر وضلال، إذ لا تجوز عبادة الله إلا بما شرع سبحانه في الإسلام، وشريعة الإسلام خاتمة الشرائع، عامة للثقلين الجن والإنس، وناسخة لما قبلها، وهذا مجمع عليه”.
ولا أستبعد أن تتضامن السعودية الجديدة مع قداس ابن زايد، بل ربما تأخذ نفس الخطوة لاحقا، وذلك من خلال متابعة التدهور الشديد الذي يخيم على بلاد الحرمين! بداية بمهرجانات الغناء واستقدام السيرك والمهرجين، حتى وصل الأمر إلى مصارعة الثيران على الطريقة الإسبانية!!
وبعد أن كان اسم آل الشيخ يتردد مع الفقه والفتوى، أصبح يتردد الآن مع الفن والفتنة…
وفي الأخير لا أخفي عليكم فلست أدري لماذا كلما رأيت صورة محمد بن زايد تذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ويل للعرب، من شر قد اقترب “!
فهل ستنجح أبو ظبي في التبشير بالدين الجديد، وسوق القطيع، ويتبعها الجميع؟ أم تقف يقظة الشعوب حاجزا أمام طوفان طمس الهوية، والردة عن الثوابت