تزامنت مرحلة تعديل الدستور في مصر مع تقديم أوراق الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لرئاسة الجزائر للدورة الخامسة، وكأن جنرالات العسكر الذين يحكمون البلدين يؤسسون لمرحلة جديدة من مراحل الحكم العربي، بعد أن كان الرئيس يحكم مادام على قيد الحياة، انتقلوا إلى مرحلة أن يحكم حتى لو أصبح في عداد الموتى!
في الحقيقة لا أستطيع أن أخفي شفقتي على بوتفليقة، إذ يتلاعب به أرباب المصالح، وأصحاب النفوذ، ليبقى ستارا لهم، فقد رشحوه في الدورة الرابعة، وهو مقعد على كرسي المرض، وخاطب الجماهير بعد الفوز المزيف عبر اتصال عن طريق الإنترنت!
والآن تعالت أصوات الجزائريين (لا للعهدة الخامسة) التي رشحوا لها الرجل وهو لا يعلم من أمر الدنيا شيئا! حتى إعلان الترشح أعلنوه نيابة عنه، من دون مراعاة لمرض الرجل وشيخوخته وعجزه: هل المصالح الشخصية للحاشية الحاكمة، أكبر من سمعة الجزائر وتاريخها، الذي يفخر به كل عربي ويتغنى به كل مسلم؟
وبعد أن كانت الجزائر تعرف ببلد المليون شهيد، أصبحت توصف ببلد الرئيس القعيد؟
لقد تخطت الإساءة حدود الجزائر لتشمل محيطها العربي، وكل محب لها ولبطولات شعبها الأبي.
أهكذا تفعل العقلية العسكرية بأهلها إذا تغولت وتوحشت؟!
عايشت شعب الجزائر ورأيت فيه العزة بالنفس، والنفرة من قبول الضيم، قاسما مشتركا بين أهله، مع اعتزاز كبير بالنسبة إلى أكبر مساحة جغرافية في بلاد العرب وأفريقيا، والتاريخ الطويل الذي تكسرت عليه نصال أعتى الحملات الاستعمارية، وحري بهم الحفاظ على هذا ومضاعفته، والأخذ على يد العابثين بسمعة الجزائر وحاضرها ومستقبلها.
والثابت أن العساكر إخوة لعلات، فكرهم واحد، وبلادهم شتى.
فعلى نفس طريقة جنرالات الجزائر، يمشى عساكر مصر، الذين يمهدون الأرض ليحكم السيسي إلى عام 2034!
والبداية من حيث انتهت الجزائر، التي أسست للحفاظ على كرسي الحكم، ولو على كرسي متحرك.
هذا هو المستقبل الذي ينتظر مصر تحت حكم العسكر، الذين اختاروا طبقة فاسدة من المدنيين، وشكلوا منهم برلمانا، وافق بأغلبية ساحقة على إضافة مادة في الدستور تمكن الجيش من عزل أي رئيس بذريعة الحفاظ على مدنية الدولة!
ولست أدري أية مدنية، تلك التي سترعاها مؤسسة عسكرية؟ وقد داست البيادة العسكرية على كل مظاهر المدنية، بعد أن رفعها المدنيون فوق رؤوسهم، وظنوا أنها ستنقلب على الرئيس “المدني” لصالحهم!!
وفي استخفاف بمكانة الدساتير، وعلى عادة القوم في الانقلاب على إرادة الشعب، وضعوا لعبد الفتاح السيسي مادة خاصة به، تمكنه من الترشح لفترتين جديدتين نظرا لتغيير مدة الرئاسة من أربع سنوات إلى ست سنوات، وعليه فليبدأ السيسي من جديد تعويضا له واستكمالا لمخططاته وإنجازاته.
أما تمام عبثية المشهد وهزليته، فتجلت في إعلان كتلة حزب النور في البرلمان عن موافقتها على التعديلات مع تحفظها على كلمة” مدنية الدولة” فذكرني هذا بقصة الشاب الذي ذهب إلى عالم يشكو له وقوعه في جريمة الزنى، فحوقل الشيخ وأظهر غضبه من جرأة الفتى، الذي زاد الطين بلة لما قال بل تكرر الأمر حتى حملت المرأة سفاحا، فانفجر الشيخ في وجهه قائلا ويحك لماذا لم تعزل حتى لا تجمع بين فاحشة الفجور ومصيبة ولد الزنى؟ فقال الشاب لأنه بلغني أن العزل مكروه!
نظام أتى من سفاح، ودستور يفصل على مقاس سفاح، سفك الدماء ومزق الأشلاء، والمتنسك المتهتك يتحفظ من دم البعوض بعدما شارك في قتل الحسين!