الرئيس عبد الفتاح بوتفليقة
فبراير 15, 2019أكذوبة “بلد المليون شهيد”
مارس 8, 2019وقفت أمام أحداث الأسبوع المنصرم وما حل بأهلي ووطني فوجدتني، أكرر ما قاله أبو الطيب المتنبي:
رَماني الدَهرُ بِالأَرزاءِ حَتّى/ فُؤادي في غِشاءٍ مِن نِبالِ
فَصِرتُ إِذا أَصابَتني سِهامٌ/ تَكَسَّرَتِ النِصالُ عَلى النِصالِ
مصر التي كانت تستقبلك في مطاراتها وطرقاتها بقول الله تعالى:
(ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ) أصبح شبابها يردد الآن:
(أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ….)
بعد أن شاهد العالم أجمع صورة القطار وهو يخترق بكل جنون أرصفة محطة مصر الرئيسة في القاهرة، حيث ترك على القضبان بلا قائد أو لجام، فدهس من دهس، وانبعثت منه نيران مشتعلة، أحرقت القريب والبعيد، في مشهد يشيب له شعر الوليد، مخلفا عشرات الشهداء والحرقى، ومختصرا صورة مصر في هذا المشهد.
فهو ليس مجرد صورة لما حدث في محطة مصر، وإنما هو تجسيد لما يفعله السيسي في عموم مصر! وبعيدا عن مسئوليته العامة التي تدينه، وتجعل دماء الأبرياء والضحايا في رقبته، كما أفتى بذلك مستشاره الديني أسامة الأزهري في حادث قطار عام 2013 لما كتب تحت عنوان “وامرساه” وقال: إن هذه الدماء في رقبة الرئيس محمد مرسي، ولكن يبدو أن الدكتور أسامة ممن لا يأخذون بالقياس! لذا تناول الموضوع في خطبة الجمعة من زاوية التسليم بالقدر، والحرص على مؤسسات الدولة، وأهمل عن عمد ذكر رئيسه الذي اصطفاه لنصحه، واذخره لمشورته، وهو فاعل متعمد، ومشارك ومتسبب، بنفسه وصفته، حيث قال في تصريح شهير بهير: (لماذا ندعم السكة الحديد بعشرة مليارات؟ الأفضل أن نضعهم في البنك ونأخذ الفوائد!)
والواقع أنه حول هذه المليارات إلى العاصمة السيساوية الجديدة، وبنى بها أكبر مسجد في الصحراء، يتم شحن المصلين له من القاهرة ليشهدوا خطبة مستشار السيسي، وبنى كنيسة لو اجتمع فيها نصارى مصر لوسعتهم!
إذا هي جريمة عمد مع سبق الإصرار والاستخفاف، وبما أن مستشار السيسي اختصر في تناول الموضوع في خطبة الجمعة، فإننا ننتظره تحت قبة البرلمان، وهو وكيل اللجنة الدينية فيه، وهذا دوره وصميم عمله مع إخوانه من النواب، الذين يفترض أن الشعب انتخبهم لمراقبة أداء الحكومة، ومحاسبة المقصرين، أم أن جدول الأعمال محجوز لإنجاز التعديلات الدستورية، حتى لا يتوقف قطار الإنجازات؟
ولا يفوتني هنا السؤال عمن رفعوا مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه (لو عثرت بغلة في العراق لخشيت أن أسأل عنها لماذا لم تيسر لها الطريق يا عمر؟) شعارا لهم في عهد الرئيس محمد مرسي: أين ذهب هؤلاء بعدما قطع السيسي الطريق، وباع البغلة، وأحرق صاحبها؟
لم يكن كلام عمر بن الخطاب مجرد عبارات تطلق في الهواء، أو تدغدغ بها عواطف الدهماء، وإنما كانت تترجم إلى خطوات عملية، وقوانين مرعية. فلنستمع إلى أبي موسى الأشعري والي عمر على البصرة وهو يخطب فيهم قائلا:
(إن أمير المؤمنين قد بعثني إليكم لأعلمكم كتاب ربكم، وسنة نبيكم، وأنظف لكم طرقكم)
إن لعنة دماء الأبرياء ستلاحقكم في خلواتكم وجلواتكم، في يقظتكم ومنامكم…
ولا يغرنكم رضى الغرب “المتحضر” عن جرائمكم، وغض الطرف عن مشانقكم، التي خنقت زهورا في مقتبل العمر وريعان الشباب، بناء على اعترافات تحت سلخ الجلد، وصعق الكهرباء، والتهديد بهتك العرض والاعتداء على النساء.
لم يكن مؤتمر شرم الشيخ الذي عقد بعد يومين من إعدام تسعة من شباب مصر، إلا وصلة نفاق من الغرب المتصهين الذي يجرم الإعدام على كل حال، إلا إذا كانت المقصلة لشباب الإسلام.
إن مؤتمر القمة العربية الأوربية في شرم الشيخ كان ابتهاجا بنجاح مشروع الانقلاب العسكري، الذي موله حكام في الخليج، وسوقه صهاينة في أوربا….
لكنني ألمح في آخر النفق نورا، يحمل إلينا بصيص أمل قادم من شوارع السودان، التي انتفضت ضد ثلاثين سنة من حكم البشير، وأجبرته على التراجع والتغيير، مستخدما الخداع والمناورة لأن الطغمة العسكرية، تعتبر الفهم والإدراك خيانة، وترك السلطة طواعية هزيمة وانتكاسة، حتى تنزل على رؤوسهم، لكن شعب السوادان وعى الدرس، واستمر في رفع شعار (ارحل بس).
وظن إعلام الثورة المضادة أنه استطاع تبشيع الثورة عند الجماهير، وتنفير الناس من فكرة التغيير، لكن المظاهرات التي جابت مدن الجزائر منددة بترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للعهدة الخامسة، والاستمرار في استغلال مرضه وعجزه، ليحكم أصحاب المصالح من خلف هذا الستار، أثبتت أن الشعوب مازالت تواقة إلى التغيير، وأن الثورة على هذه الأنظمة المتهالكة هو خيارها وسبيلها، وليعلم أحرار الجزائر أن نجاحهم سيمنع بوتفليقة جديد في السودان، وليعلم ثوار السودان أن نجاحهم هزيمة لعساكر مصر، وأن النجاح والاستمرارية، كفيلان بإحياء روح الثورة في نفوس قهرها الظلم والبغي، وتكالبت عليها كل قوى الشر، ورضخت تحت حكم الحديد والنار.
إن مهمتنا الآن، التثبيت لا التثبيط، فإن الشعب إذا أراد فعل، وإذا تكاتف نجح، فأتموا ثورتكم يرحمكم الله.