الثورة الجزائرية بين الصوفية والسلفية
مارس 15, 2019أردوغان، وابن سلمان والعودة إلى الجذور
مارس 29, 2019قد بدت البغضاء من أفواههم عندما تحدث السيسي في مؤتمر الأمن في ميونخ قبل أسابيع من مذبحة مسجد نيوزيلندا محذرا من المساجد في أوربا
من الجرائم التي ستبقى في ذاكرة التاريخ، بل ربما تصبح من المحطات التاريخية الفارقة، تلك المجزرة المروعة، والعمل الإرهابي المنظم، الذي راح ضحيته أكثر من خمسين شهيدا من المسلمين الوادعين أثناء صلاة الجمعة، عندما أطلق إرهابي متعصب النار على رواد مسجدين في نيوزيلندا، بل عمد الأثيم إلى توثيق جريمته من خلال إرسال بيانات إلى جهات عدة قبل الحادث، كما صور المذبحة بنفسه، واستخدم عبارات وتواريخ تذكر بكبرى المعارك الحربية التي خاضتها الدولة العثمانية ضد الدول الأوربية وكأنه يدعو لأمثالها والثأر لذلك، بل عبر عن هذا صراحة في شعارات سابقة نادى فيها بتحرير إسطنبول والعمل على عودتها إلى محيطها المسيحي فهي القسطنطينية وليست إسطنبول حسب قوله.
كما أكد أنه يعتبر الرئيس الأمريكي دونالد ترمب مثله الأعلى، لأنه يسعى بقوة لاستعادة هوية الإنسان الأبيض الذي هو سيد بقية الأجناس!
والمتابع لخطابات ترمب وقراراته تجاه العرب والمسلمين يبصر من أقصر طريق أنها تغذي نار العداوة، وتزكي أوارها في صدور الموتورين والمتعصبين، بالإضافة إلى طابور من أبناء جلدتنا يتحدثون بألسنتنا ويتقربون إلى هؤلاء بالنوافل والفرائض، قد بدت البغضاء من أفواههم عندما تحدث السيسي في مؤتمر الأمن في ميونيخ قبل أسابيع من مذبحة مسجد نيوزيلندا محذرا من المساجد في أوربا وداعيا إلى وضعها تحت أعين المراقبة، وهو ما أكد عليه بعده وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد! بل وأستطيع الجزم بأنه لم يحكم أحد بحكم عام يتهم فيه كل أهل الإسلام إلا عبد الفتاح السيسي عندما قال: إن المليار ونصف “يعني المسلمين” عايزين يقتلوا السبعة مليار؟ “يقصد باقي سكان العالم”
ولو تحدثنا بلغة الأرقام فإن مسجد الروضة في سيناء الذي قتل فيه أكثر من ثلاثمئة مسلم أثناء صلاة الجمعة أيضا، وانقضت الشهور من دون تحقيق في القضية أو سعي لمعرفة ملابسات الحادث، ولنفترض أن داعشيا ممن لا عقل لهم ولا خلاق، هو الذي فعل هذا بعباد الله المصلين، فكيف استطاع أن ينفذ جريمته على بعد مئات الأمتار من الثكنات العسكرية التي يغص بها المكان؟ وكيف لم تهرع لاستكشاف مصدر النيران الكثيفة؟!
والذي يريد أن يعرف الفرق بين المستنكر المتألم، والمتآمر المتورط فليقارن بين حادث مسجد الروضة، وكيف تعاطى معه النظام المصري، وبين حادث مسجدي نيوزيلندا وكيف كانت ردة حكومة نيوزيلندا على كافة المستويات!
فقد كان بحق لافتا للنظر، ومغايرا لما عهدته من مشاعر الأوربيين تجاه وجود المسلمين في بلادهم، التي تتراوح بين البرود وعدم الاكتراث، أو التعايش بمنطق الضرورة نظرا لحاجة المجتمع الغربي إليهم،
أو نزعة العصبية والعنصرية التي لا تخفي وجهها، وتظهر ملامحه البغيضة من آن لآخر.
أما على المستوى الرسمي فليست الحكومات الغربية على درجة واحدة في التعامل مع الجالية المسلمة الموجودة بينهم، فبعض الدول تعترف بالإسلام كدين رسمي في الدولة مثل بلجيكا وهولندا، وهذا يمكن من بعض الحقوق، وبعضها لا يعترف به كألمانيا التي تسمح بذبح الأنعام لليهودي لأنه من شريعته، ولا تسمح به للمسلم لأنها لا تعترف بدينه!
ويبقى الإطار الجامع لدول أوربا أنها مضطرة لوجود المسلمين لأسباب مختلفة، ومستعدة لتقبل ذلك والتأقلم عليه، لكن غير مستعدة ولا مرحبة بالإسلام وانتشاره وظهور شعائره.
ويتضح هذا في الموقف الصارم من الأذان الذي لم يسمح به إلا في حالات تعد على أصابع اليدين على مستوى القارة العجوز، بحجة أنه يمثل إزعاجا للناس والمارة، ولا يرون ذلك بالطبع في دق نواقيس الكنائس!
وتضيق في تراخيص بناء المساجد المستقلة، إذ غالب مساجد الغرب عبارة عن أماكن مستأجرة وفي حالة طلب وجود مئذنة مع ترخيص المسجد يتم العرض على عدة وزارات مختلفة، ولو تمت موافقة الجميع تبدأ رحلة تحديد طولها الذي يتحكمون فيه بالمتر، ولا يجد المسلمون السعة والبحبوحة إلا في شراء الكنائس الكبرى التي هجرها روادها وعرضوها للبيع في مزاد علني.
وتحرص الحكومات الغربية على تغيير هوية المسلمين تحت دعاوى الاندماج مع المجتمع والانصهار في بوتقته، فلا تسمح بفتح مدارس خاصة لتعليم اللغة العربية والتربية الإسلامية ، إلا في بعض الحالات القليلة التي تعد استثناء من القاعدة العامة، وعامتها خاص ببعض السفارات العربية والمنتسبين إليها، وتم إغلاق كثيرا منها والتضييق عليها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ولا أنسى بعد بضع سنيين قضيتها في ألمانيا ذلك الحفل المهيب الذي حضره كبار الشخصيات في إحدى ولاياتها ابتهاجا بالموافقة على حصول المسلمين على رخصة فتح “حضانة أطفال” ملحقة بأحد المراكز الإسلامية، بعد مساجلات إعلامية وقانونية امتدت لسنوات خاضها القائمون على هذا المركز !
في الوقت الذي تعج فيها البلاد العربية بالمدارس الدولية والجامعات الأجنبية، وبعضها مر على إنشائه عشرات السنين، بل استطاعت هذه الإرساليات الموجهة التي تستوعب كل مراحل التعليم المختلفة، من تحقيق ما فشلت فيه جيوش الاحتلال وكتائب التبشير.
وبالرغم من أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي لا ترعاه دولة، ولا تضع الدعوة إليه في برامجها واهتماماتها، كما لا تخطط لانتشاره منظمة أو مؤسسة، وحرم من دعم الجمعيات الأهلية والخيرية، ومع ذلك يتقدم بخطى ثابتة، ويكسب كل يوم أرضا جديدة، لما فيه من خصائص ذاتية وربانية، ما يحتم على آحاد المسلمين وتجمعاتهم، تحمل مسؤولياتهم تجاه دينهم وعقيدتهم، والتخلي عن الأمراض التي اصطحبوها من بلادهم، ليكونوا على قدر المهمة العليا التي نيطت بأعناقهم.
ولو نظروا إلى أنفسهم قبل ثلاثين سنة، وهم عمال صغار، وطلاب مبتدئون، والظروف العامة أشد وأقسى، ومع ذلك بدأوا المسيرة، وقطعوا شوطا في طريق النجاح، وهم الآن أكبر وأقدر، والسعيد من وفقه الله لما يرضيه، والله معكم ولن يتركم أعمالكم.