أردوغان، وابن سلمان والعودة إلى الجذور
مارس 29, 2019لماذا خاف الإسلاميون من سقوط البشير؟
أبريل 12, 2019في ثورات الشعوب على الفساد والاستبداد، وأثناء حراك الجماهير التواقة إلى التغيير، ترفع لافتات وتظهر هتافات تلخص المشهد وتعلن عن مطالب الغاضبين، ومن ذلك هتاف الربيع العربي الشهير “الشعب يريد تغيير النظام”، الذي لم تنجح الجولة الأولى من الربيع العربي في تحقيقه، حيث تعايش البعض مع النظام، والبقية انتصرت عليهم الثورة المضادة، وعاد النظام أكثر ضراوة، وأشد قسوة.
بدأت الجولة الأولى من تونس زهرة المغرب العربي، ثم تلتها مصر أرض الكنانة، وكنت أتوقع حينها أن الجزائر لن تتأخر عن اللحاق بشقيقتيها، لما لها من تاريخ تليد، ونضال مجيد، وموجات ثورية ضد احتلال فرنسا الذي استمر أكثر من مئة وثلاثين عاما، تجددت فيه الثورة خمسة عشر مرة، كان آخرها ثورة التحرير التي استمرت من 1954 حتى 1962 وأصبح اسم الجزائر لا يذكر إلا مقرونا بملايين الشهداء، الذي قدموا أرواحهم في سبيل تحرير بلادهم واستقلالها، ولما أعرفه من صفات الجزائريين خلال معايشتي لهم سنين عددا في مساجد أوربا، من اعتزاز بالنفس والوطن، وحمية على الدين والمعتقد.
ونظرا لأن الجزائر سبقت الدول العربية في السعي إلى الإصلاح والتغيير، واصطدمت هذه الرغبة بأصحاب المصالح في الداخل، وأرباب المطامع في الخارج، مما أدخل البلاد فيما عرف بالعشرية الحمراء، التي أزهقت فيها أرواح زهاء مئتي ألف من الجزائريين!
وألقت هذه الحقبة العصيبة بظلالها، وعظمت في نفوس الناس آثارها، ما أخر خروج شعب الجزائر لاستكمال التحرر الوطني، ورفض الفساد والاستبداد، الذي باض في البلاد وأفرخ.
وكما كانت بداية الربيع العربي مغاربية، عادت الجزائر لتبدأ جولته الثانية من قلب المغرب العربي، في حراك منظم وتظاهرات حضارية، تنم عن فهم ووعي، وبرهنت على عراقة الجزائريين وسابق خبرتهم التي لم يسامهم فيها نضال شعب آخر في العصر الحديث، كذلك كانت دروس الثورات العربية ماثلة أمام أعينهم، وحاضرة في أذهانهم، لذا كان هتافهم “يتناحو قاع” في منتهى الإبداع الثوري والعمق الفكري، وهي جملة بالدارجة الجزائرية معناها “يرحلوا جميعا”
لأن الأجنحة المتصارعة على الحكم، وجيوب الدولة العميقة متعددة في الجزائر، ولها خصوصية تختلف عن باقي الدول العربية، وقد لاحظنا كيف وصف قائد الأركان قايد صالح المجموعة التي كانت تهيمن على مقاليد الحكم في السنوات الأخيرة بالعصابة، في إشارة إلى السعيد بوتفليقة وزمرته “شقيق الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة”.
بعد هذه الجموع الغفيرة التي خرجت في كل أنحاء الجزائر لن يرضى هؤلاء بعمليات الترقيع والتجميل، التي تلجأ إليها النظم المستبدة مرغمة تحت وطأة ضغط الجماهير، كاستراحة محارب ريثما تلتقط الأنفاس، ثم تعود لكتم أنفاس الناس!
لذا لا يعتبر شعار “يتناحو قاع” هتافا ثوريا وحسب، وإنما هو عنوان المرحلة وثمرة الحراك، واستراتيجية الأيام القادمة ودستورها، ولا ينبغي أن يكون هذا في الجزائر وحسب، بل يرفع في وجه كل ظلوم غشوم، ومستبد فاسد، ليرحل هو وزمرة فساده، وجنود استبداده.
مظاهرات الجزائريين التي أثمرت في أيامها الأولى تراجعا عن ترشيح بوتفليقة للعهدة الخامسة، ثم استقالته من رئاسة الجمهورية، أعادت للجماهير العربية الثقة في نفسها، وأن الشعوب إذا أرادت فعلت، وإذا تكتلت نجحت، وأن حصون الطواغيت أوهن من بيت العنكبوت.
تكاتفت الطغمة الحاكمة في البلاد العربية، ودفعت بكل ما تملك من أدوات وثروات، لإخماد روح الثورة في نفوس المقهورين، وظنوا ـ إلى حين ـ أنهم أفلحوا، فإذا بأخبار الجزائر تبعث الأمل من جديد، وتجدد العزم على منابذة الظلم وملاحقة الظالمين، وفرض إرادة الشعب في اختيار من يحكمه بنزاهة وشفافية.
يممت الأمة وجهها تجاه أحفاد الشهداء وأبناء المناضلين، ترقب النصر وتدعو بالظفر، لأن المسلمين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، وإذا فتح الله لطائفة عمت الفرحة الجميع (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ).
وتجلت أولى بركات الجزائريين على أشقائهم في كسر حاحز الخوف، وإدراك قيمة الوحدة على الأهداف الكبرى.
إن رياح التغيير التي هبت نسائمها على الجزائر، جعلتنا نوقن أن ربيعنا مستمر، وكما أن مظلة الظلم كانت عامة، ورقعة الاستبداد كانت ممتدة، ومنظومة الفساد كانت متحدة، فإن الغمة ستنشكف عامة، وحلة الفوز ستكون سابغة، وأيام النصر ستأتي متتابعة متتالية.
(وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ۚ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ ).