بُني الإسلام على خمسة أركان يتفاوت المسلمون في درجات الالتزام بها، فركن الحج لا يفعله إلا بعض الأغنياء أو من توفرت لهم نفقته، والزكاة المفروضة على الأغنياء قليل منهم من يؤدي حق الله فيها!
أما عمود الإسلام وركنه الأهم المتمثل في الصلاة فالبعض يؤديها، ومنهم من يغفل عن آثاراها ومعانيها فاستحق بذلك الوعيد الشديد: (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ).
أما من أدار ظهره للقبلة، وحرم نفسه من رفعة سجود الجبهة، فحسبه آخر ما نطق به عمر بن الخطاب وهو يودع الحياة “لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة”.
لكن ركن الصوم ربما هو العبادة الوحيدة التي يفرح بها الجميع، الطائع والعاصي، والمُسَدِدُ والمُقصر، ويشترك في أدائها ويحرص عليها أولئك الذين فرطوا في الأركان السابقة، بل ربما فعلوا بعضها من أجل الصيام، كمن يصلي فقط في رمضان!
هذه المدرسة الرمضانية تفتح فصول التقوية الإيمانية في دورة مكثفة مدتها ثلاثين يوما، وقد اختصرت الإسلام في أيامها الطيبة ولياليها المباركة، وقَدّتْ من عبادات الإسلام الكبرى صورا خاصة بالشهر الفضيل، وضع عليها طابعه وبصمته، ليعطيك صورة مُجْملة عن الإسلام الكبير، كمن ينظر إلى مدينة عظيمة من خلال مجسمها الصغير…
أخذ الصيام من الصلاة صلاة خاصة به تزين مساجده وتحيي لياليه، وهي صلاة التراويح
روى البخاري في صحيحه: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه ثلاث ليال وفي الثالثة أو في الرابعة لم يُصلّ، وقال: إني خشيت أن تُفرض عليكم) وفي لفظ مسلم (ولكني خشيت أن تُفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها) فثبتت التراويح بفعل النبي صلى الله عليه سلم حيث صلاها ثلاث ليال في المسجد ثم انتظره الصحابة فلم يخرج إليهم لئلا تفرض عليهم، وكأن شأن هذه التراويح أن تكون من الفرائض! ثم جمع أمير المؤمنين عمر الناس عليها، وعين أبي بن كعب إماما لها بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما الزكاة فريضة كل عام على من ملك النصاب فاشتق منها الصوم فريضة له، تعرف به وتنسب إليه وهي “زكاة الفطر”
عَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: “فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ” رواه الجماعة.
وأراد الشارع بها أن تعم الفرحة الجميع، وألا يحمل الفقير هم قوته في يوم العيد لذا رُوي: (أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم).
ومن ركن الحج والعمرة أخذ الصيام عمرة خاصة بأجر مخصوص “عمرة رمضان” أضافها إليه ولا يحصل أجرها إلا فيه عنِ ابنِ عباسٍ، رضي اللَّه عنهُما، أنَّ النَّبيَّ ﷺ قَالَ: (عُمرَةٌ في رمَضَانَ تَعدِلُ حجة أَوْ حَجَّةً مَعِي) متفقٌ عليهِ.
من اعتمر في رمضان كُتب له أجر حجة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم “غير أنها لا تسقط عنه حج الفريضة”. أما عبادة الاعتكاف فتكاد تكون عبادة رمضانية خالصة عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ”. (رواه البخاري) وفي العام الذي توفي فيه اعتكف عشرين يوما…
حتى قال بعض أهل العلم إن الاعتكاف لا يكون إلا في رمضان، ومنهم من ألزم من اعتكف في غير رمضان بالصيام ليصح اعتكافه! ومنهم من قال بصحة الاعتكاف في أي وقت من العام من دون اشتراط الصيام.
ثم إن الصوم تفرد عن باقي عبادات الإسلام بأنه العبادة التي لم يتعبد بها إلا للإله الحق جلّ وعزّ، فهي سر بين العبد وربه لا يطلع عليها سواه، أما ما عداها من العبادات فهناك من يركع لغير الله، ومن يسجد لغير خالقه ومولاه! بل إن القصور اتخذت قبلة، وعوملت معاملة الكعبة، وأضحى شرك القصور ينافس شرك القبور!!
الصوم عبادة مبناها ومعناها الإخلاص لذا وعد الله عليها بأجر لا يعلمه إلا هو.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله: كلُّ عملِ ابن آدمَ له إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جُنَّة، وإذا كان يومُ صومِ أحدكم، فلا يرفُثْ ولا يصخَبْ، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتَله، فليَقُلْ: إني امرؤ صائم، والذي نفسُ محمد بيده، لخُلُوفُ فمِ الصائم أطيبُ عند الله من ريح المسك، للصائمِ فرحتانِ يفرحهما: إذا أفطر فرِح، وإذا لقِي ربه فرح بصومه) متفق عليه.
وهو شهر الصبر (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ).
من عاش رمضان إيمانا واحتسابا فقد عاش الإسلام إجمالا، وضرب في كل غنيمة صالحة سهاما.