رواية مقتل الرئيس مرسي في المحكمة بهذه الطريقة لا يقبلها عاقل سليم، ولا صبي مُميز، ونأمل أن تجد الدعوات الصادقة لفتح تحقيق محايد في القضية قبولا وتَبَنياً من الأحرار.
لا نبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم فهو خاتم الأنبياء وسيد الأصفياء وكل متنبئ بعده كاذب، ومن وصف أحدا بعده بالنبوة فهو أحد الكذابين.
لكن فراسة الشاعر المتنبي في حُكام مصر صدقت ورؤيته لهم وقعت، وكأنه يحكي واقعنا الآن:
أَكُلّمَا اغتَالَ عَبدُ السّوْءِ سَيّدَهُ أوْ خَانَهُ فَلَهُ في مصرَ تَمْهِيدُ ؟
صَارَ (الخَسِيسُ) إمَامَ الآبِقِينَ بِهَا فالحُرّ مُسْتَعْبَدٌ وَالعَبْدُ مَعْبُودُ !
وفي حالة الرئيس الشهيد محمد مرسي جمع (الخسيس) بين الغدر والخيانة، فخان القَسم وحَنث في اليمن، ثم عمد إلى الاغتيال، وقتل العمد مع سبق التخطيط والتربص، وإلا فإن رواية مقتل الرئيس مرسي في المحكمة بهذه الطريقة لا يقبلها عاقل سليم، ولا صبي مُميز، ونأمل أن تجد الدعوات الصادقة لفتح تحقيق محايد في القضية قبولا وتَبَنياً من الأحرار، لأننا لا نعول في قليل ولا كثير على المجتمع الغربي الذي هو بين متورط أو متواطئ، أولئك الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها عندما هُدم صنم بُوذا، أو إذا علقت هُرة في شجرة! وغضوا الطرف تماما عن حادث مقتل رئيس منتخب، سُجن انفراديا ومنع عنه الزيارة والدواء، ويحاكم داخل قفص زجاجي كاتم للصوت والنفس!
ولولا وقفة الإعلام الصادق من جريمة مقتل جمال خاشقجي لغطت عليها صفقات السلاح، والرشاوى السياسية.
كما نأمل في كتائب الإعلام الحر أن تفضح قتل الرئيس مرسي في المحكمة كما فضحت تقطيع جمال خاشقجي داخل القنصلية.
لقد بلغ فجور القتلة إلى سفك الدم الحرام داخل ساحة القضاء، وفي البقعة الدبلوماسية المحصنة، وجعلوها مسرحا لجرائمهم، تشابهت قلوبهم وأفعالهم!
لكنّ الله أراد لمحمد مرسي الميتة التي تليق به في الميدان الذي صمد فيه، وطلبوا منه التنازل فما تقهقر ولا تراجع، فعاش كريما حميدا، ومات صابرا شهيدا.
وكنا إذا سمعنا لقب الإمام الشهيد انصرف الذهن إلى الإمام البنا، وإذا قيل الأستاذ الشهيد استدعت الذاكرة صورة الاستاذ سيد قطب، وادخر الله لقب الرئيس الشهيد للدكتور محمد مرسي رحم الله الجميع.
لم يكن مرسي إماما مجددا كحسن البنا، ولا عبقريا مفسرا مثل سيد قطب، ولكني أحسبها خبيئة صدق وإخلاص بين الرجل وربه، رفعته إلى هذه المنزلة “من سار على الدرب وصل”.
كانت ثورة الخامس والعشرين من يناير هي الحدث الأبرز في السنوات الأخيرة، وكان انتخاب أول رئيس مدني في تاريخ مصر هو أكبر تجليات وثمرات ثورة يناير، وإنّ اغتيال الرئيس محمد مرسي هو لحظة فارقة لها ما بعدها، وسيقف التاريخ مليا عندها، ودائما ما كان موت الشهداء حياة لمشاريعهم، ولمن يتسلم الراية من بعدهم؟ واسألوا التاريخ عن قتل الإمام الشهيد، وإعدام الأستاذ الشهيد؟
لكن فرحتنا للرجل بحسن الخاتمة لن تثنينا عن المطالبة بدمه والقصاص العادل له، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.
قال الله تعالى:
(وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا)
ومن بين ركام الألقاب والأوصاف التي عُرف بها قاتل د. مرسي التي احتل بعضها الصدارة العالمية في وسائل التواصل اخترتُ وصف (الخسيس) لصدق المعنى وقرب الوزن والمبنى، وليس أدل على الخسة والفجر في الخصومة من منع دفن الرئيس محمد مرسي في مقابر أسرته، ومنع الناس من تشييع جنازته والصلاة عليه، فصلت عليه العواصم العالمية وضجت بالدعاء له المساجد في شرق العالم وغربه، وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك الذي عاش وفيا له ومدافعا عن قضيته.
وقد أحسن الشاعر السوري أنس الدغيم عندما رثاه قائلا:
إلى أعلى لأنّ الأرضَ سُفلى
وسافلةٌ وبالأَوْغَادِ حُبْلى
وحُبْلى بالبِغَاةِ وتَابِعيهم.
ومَن باعَ الضّميرَ ومَن تَخلّى
لقد مَنعوا الصّلاةَ عليكَ ظلماً
ولكنْ ثالث الحرمَينِ صَلّى
سيخسرُ كلُّ من والى سَفِيهاً
وإنّكَ كنتَ للرّحمنِ مَولى
وأنا أشهد: تولاك الله بواسع رحمته، وأسبغ عليك شآبيب فضله.