المنصف وعبد الفتاح مورو لا يستويان
أغسطس 9, 2019المقامة الظبيانية: “ارجموا شيطان العرب”
أغسطس 30, 2019بعد مرور ست سنوات كاملة لم نسمع عن مناقشة أوجه الخلل ومواطن القصور في إدارة اعتصام رابعة، والاكتفاء بالتركيز فقط على همجية القتلة الفجرة، دون أدنى شعور بالتقصير من جانبنا
في ذكرى مرور ست سنوات على مذبحة رابعة ظهر جدل حول جدوى الحديث عنها، وهل تحول الأمر إلى بكائيات أشبه ببكائيات كربلاء؟ أم أنه لابد من إحياء الذكرى وفاء لأهلها وتذكيرا بجرائم من اقترفها؟
ولم أجد نفسي بين الفريقين لاقتناعي أن البكاء لا يعيد مفقودا، وأن مجرد التذكير ليس هو الوفاء بالمطلوب، وأن تناول القضية ينبغي أن يتسم بالاعتدال بين الإفراط والتفريط، لأن الضحايا لم يَغرقوا في عَبّارةٍ نتيجة الإهمال، ولم يَحْترقوا في قطار بالاستسهال، وإنما هي جريمة نظام بكل مؤسساته مع سبق التخطيط والإصرار، في حق شعب أعزل تعرض لواحدة من أبشع المذابح في العصر الحديث ترقى إلى جرائم الحرب. ويستوي في الجرم والإثم من خطط لها وأَمر بها، أو نفذها وشارك فيها، أو رضي عنها وتابع.
عَنِ الْعُرْسِ ابْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ” إِذَا عُمِلَتِ الْخَطِيئَةُ فِي الْأَرْضِ كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا، وَقَالَ: مَرَّةً أَنْكَرَهَا كَانَ كَمَنْ غَابَ عَنْهَا وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا “. أخرجه أبو داوود والطبراني.
لكنّ إحياء ذكرى رابعة يكون بتوثيق ما تم فيها وإعداد ملفات بذلك ليوم القصاص العادل، والله قد وعد ولي المظلوم بالنصر في كتابه العزيز:
(وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا)
من كان يصدق أن أكبر جبابرة القتل والدم في الجزائر، وصاحب العشرية الحمراء القانية الجنرال خالد نزار أصلح مطلوبا للعدالة الآن على ما اقترف من جرائم ومذابح؟
ولابد من استكتاب الخبراء من كل التخصصات، وطلب التقييم من بيوت الخبرة والمؤسسات المعنية حول هذه المرحلة، واستخلاص الدروس المستفادة التي تعين في حُسن النظر والتخطيط للمستقبل، وتَبقى رصيدا للأجيال القادمة تمنع من تكرارها، فلو أحسنا الاستفادة من تجربة الإسلاميين مع العساكر في الخمسينات والستينات وتم تقييمها لما وضعنا أيدينا في نفس الجحر في 2011 ولما لدغنا من نفس الحية حتى أدمنا سم الأفاعي.
إن الذي لا يحسن الاستفادة من التاريخ لن يفلح في النظر إلى المستقبل.
ومن أكثر ما يحول بيننا وبين الاستفادة من التجارب السابقة أن مبدأ الثقة في القيادة أو (السمع والطاعة) من أهم مرتكزات التربية داخل التيار الإسلامي!
ويعتبرون ذلك من علامات التميز والانضباط، أما المناقشة والمراجعة فمن علامات الشغب والانفلات!
مع غياب واضح للشورى كمنهجية حاكمة، وضمانة ملزمة، مع الحفاظ على صورتها الشكلية أو إعمالها من خلال التوجيه المبطن باستعمال مصطلحات: (رأي المشايخ)، (الإخوة الكبار)، (أكيد الإخوة اللي فوق عارفين)!
هذا ما جعلنا بعد مرور ست سنوات كاملة لم نسمع عن مناقشة أوجه الخلل ومواطن القصور في إدارة اعتصام رابعة، والاكتفاء بالتركيز فقط على همجية القتلة الفجرة، دون أدنى شعور بالتقصير من جانبنا، والمصادرة على ذلك بخطاب العواطف، وتجييش المشاعر الذي لا ترتفع به أمة ولا تنتصر به قضية.
ما حدث في رابعة والنهضة وما تلاهما، صورة من صور الثقة المطلقة في القيادة، والتسليم بطريقة الإدارة، مع غياب المحاسبة بعد الفشل أو التقصير، من باب توقير الكبير وعدم نكأ الجراح والحرص على المودة وبقاء الألفة وإعمالا لقاعدة “ولا تنسوا الفضل بينكم”! في خلط فج بين العمل العام الذي أساسه الشورى في البداية، والمحاسبة بعد التنفيذ، وبين قواعد البيت السعيد وحل الخلافات الأسرية!
والأمر من وجهة نظري لا يحتاج إلى معلقات أو مطولات بل يكاد يكون محصورا في كلمتين:
هل كانت قيادة الاعتصام تملك استراتيجية “ماذا لو؟ وماذا بعد؟” ماذا بعد الاعتصام، وهل تحول من وسيلة إلى غاية؟
وما لو تم اقتحامه بالقوة الغاشمة والقلوب الميتة التي ظهرت بوادرها جلية في قتل الساجدين أمام الحرس الجمهوري، وقتل المتظاهرين أمام المنصة؟
واجب الوقت الآن هو التقييم لا التجريح، والمراجعات لا التراجعات، والخروج من ذلك برؤية واضحة وخطة عمل قابلة للتطبيق، وبذلك نؤدي فريضة المرحلة، ونحقق الذكرى التي تنفع المؤمنين.