الشباب قوة الحاضر وأمل المستقبل وعماد كل نهضة، ووقود كل صحوة، سواء على مستوى الأمم أو الجماعات والحركات، حتى مجالات اللعب لا يناسبها إلا الأعمار الشابة والأسنان الفتية.
وكما أن الأسرة الصغيرة توظف كل طاقتها وإمكاناتها للاستثمار في الأولاد وتعلق عليهم آمال المستقبل، كذلك المجتمع والدولة التي هي عبارة عن مجموع تلك الأسر تقاس قوتها وتقدمها بقدر ما تولي الشباب من عناية ورعاية.
على النقيض مما تكرسه أنظمة الفساد ودول الاستبداد، التي تعتبر الشباب مصدر قلق دائم، ومكمن ريبة مستمر!
ويعتبرون تطلعهم إلى الحرية واستشرافهم للعدالة والمساواة، من صور التمرد ومحاولات تقويض أركان النظام الذي يرى هذه الآمال معاول هدم لأكذوبة الاستقرار التي جثم بها على صدور الناس، وكتم الأنفاس.
ولا مانع عند هؤلاء المستبدين من الظهور في حفلات مع الشباب من باب تجميل وجه النظام، وإخفاءِ بثورِهِ وتجاعِيده…..
وأصدق مثال على ذلك مؤتمرات الشباب المتتابعة التي يعقدها السيسي كل فترة في منتجع شرم الشيخ السياحي!
ويختار له مجموعة شباب من رواد هذه المصايف، ويدعو نظراءهم من بعض الأنظمة الصديقة، ومحصلة ذلك مجموعة من الصور التذكارية مع الشباب تكلفتها ملايين تُهدر على الاستضافة، ووسائل النقل والمواصلات والحراسات..
ملايين لو وجهت إلى مشروعات صغيرة لخلقت فرص عمل لآلاف من الشباب المصري العاطل، الذي تستوعب منه المقاهي عددا لا بأس به! ويفلح البعض في السفر إلى أي بلد توفر أي عمل بأي راتب على أي حال!
ويسلك من تبقى مسلك الضرب في الأرض، والكدح في ضروب الرزق داخل المحروسة، ومن هؤلاء الشاب محمد عيد (شهيد التذكرة) وزميله الذَيْن يعملان في بيع الهدايا والمستلزمات البسيطة، وخلال ركوبهم قطار العودة ولم يكن توفر لهم من كد اليوم وتعبه ما يكفي لدفع ثمن تذكرة القطار، فاتخذ المحصل القرار بنزولهم والقطار في سرعته وحركته، فلقي محمد عيد حتفه في الحال، وفُصلت رأسه عن جسده، وبُترت ساق زميله! وكلاهما يعول أسرة تنتظر ما يأتيهم به في آخر النهار من لقيمات أو دريهمات..
أصابني الحادث بمرارة مازالت أجد غصتها في حلقي، وشعرت بقهر تملكني، ما شعرت بمثله على كثرة ما يمر بأهلنا في مصر من كوارث..
محصل القطار متسبب مباشر في الجريمة، وإثمها في رقبته ووبالها عليه، وهو في نفس الوقت ضحية الأوامر العسكرية، والعقلية السلطوية، التي تعتبر مرافق الدولة، والدولة نفسها ملكا لهم، والشعب وظيفته الحفاظ على الدولة التي هي ذواتهم المنتفخة.
كل تصريحات السيسي فيما يخص مرفق السكة الحديد جرائم سياسية وإنسانية تعاقب عليها كل القوانين المرعية، وفيها من الإسفاف والاستخفاف ما أَعَفُ عن ذكره، أو التعليق عليه. ثم اختار للوزارة الفريق كامل الوزير ابن قبيلة العساكر الذي ينتهج نهجه القاصر، وينفذ سياسته العمياء التي ترتكز على قاعدة (اللي ممعهوش ما يلزموش) و ( هاتدفع يعني هاتدفع).
ليس شهيد التذكرة هو أول شهداء السيسي أو ضحايا النظام الذي يَعتبر ثورة شباب الخامس والعشرين من يناير مؤامرة، واتخذ خطة ممنهجة لقتل روحها في نفوس أبنائها، وخنق أرواح من آمن بها، أو تعاطف معها….. قتلهم في الميدان، وسحلهم في الشوارع، وملأ بهم السجون والزنازين..
يدرك السيسي ونظامه أنه لن يقتلع جذور فسادهم، ويهدم أركان استبدادهم إلا عزيمة الشباب وإصرارهم على مستقبل أفضل.
لكن ما أسعد السيسي بمعارضة هرمة، وقيادات متكلسة، تجتهد في تأخير شروق شمس الشباب، وتقف حجر عثرة أمام إبداعهم في إدارة معركة التغيير! وإن كان ذلك كله سيزول، وبقاؤه لن يطول.