لماذا الشيخ الشعراوي؟
نوفمبر 9, 2019قطر من الخمس الكبار؟!
نوفمبر 23, 2019وقد سبق لي تجربة مع سجن استقبال طرة في أوائل التسعينيات في زنزانة رقم 4/24 وكانت مساحتها 4م ×4م وصل عددنا فيها إلى 26 معتقلا
كثيرا ما تأخذ الأعمال الفنية مشهدا من الواقع وتبني عليه عملا تمثيليا، لكن أن ينقلب الحال وتأخذ مصلحة السجون المصرية مشهدا من المشاهد المشهورة في أحد الأفلام السينمائية يحكي زيارة وفد من هيئة حقوق الإنسان لعنابر المعتقلين التي يلاقون فيها أشد العذاب، وكيف غيرت إدارة السجن كل شيء ريثما تمر الزيارة ثم عادوا سيرتهم الأولى!
ضعف الفكر وانعدام الخيال والابداع جعل ضباط سجون طرة يعيدوا تمثيل المشهد في الواقع، لكن في صورة أردأ وإخراج أسوأ، وبالغوا في إبراز مظاهر النعيم التي يحظى بها المعتقلون إلى درجة بيض النعام ومشويات على الفحم! ما جدد موجة سخرية عند الشعب المصري الذي لا يعرف هذا المستوى من الرفاهية في حياته، بينما الحكومة تدعي أنها وفرته لعتاة المجرمين ولخصومها السياسيين! كما أن العائلات المصرية تعرف هذه السجون حق المعرفة وزارتها قبل هذه الزيارات المسرحية، فلا تخلو أسرة في مصر من وجود معتقل سابق أو حالي من بين أبنائها وأقربائها، ذاقت معهم مرارة السجن وذل الأسر، ولاقت صنوف الإهانة أثناء الزيارة.
وخلال عرض مسرحية “منتجع طرة” كانت الكاميرات معدة لأخذ تصريحات من بعض المعتقلين عن حالتهم داخل السجن، وأنا ألتمس كل العذر لمن تحدث تحت سطوة السجن وقهر السجان، والحرمان من أبسط مقومات الحياة، وماذا يفعل أسير مريض نهشت الأمراض لحمه، وفتت الأسقام عظامه؟ وإذا لم تطبق أحكام الإكراه على هؤلاء فعلى من تطبق؟ إذا أردتم معرفة حقيقة عنابر الموت وأقبية الهلاك فلا تسألوا أسيرا قيده في أيديهم، ويتحكمون في دوائه وهوائه، واسمعوا شهادات من ذاق الويلات من الذين كتب الله لهم النجاة وتمتعوا بهواء الحرية، وفيهم عدد من الناشطين والصحفيين الذين بمقدورهم تقديم شهادتهم على فترة السجن.
وقد سبقت لي تجربة مع سجن استقبال طرة في أوائل التسعينيات في زنزانة رقم 4/24 وكانت مساحتها 4م ×4م وصل عددنا فيها إلى 26 معتقلا، ولما نقص إلى 20 حمدنا الله على السعة! وكان بابها موصدا لا يفتح في ليل ولا نهار، والطعام يلقى لنا من كوة الباب مرة واحدة في اليوم، مع الحفاظ على التنوع الثابت بين الفول الذي لا يُؤكل، والعدس الذي لا يُستساغ، والمياه مقطوعة طوال اليوم لا تأتي إلا ساعة قبيل الفجر نخزن فيها ما يكفي لضرورات باقي اليوم، وكنت على ذمة قضية وأحضر جلسات النيابة، وكنت وأمثالي محل غبطة المعتقلين لأن الزيارة ممنوعة في السجن، أما النيابة فكان الأهالي ينتظروننا أمامها لتقديم الأطعمة والأدوية.
ولمن يرغب في رؤية صورة حية من داخل هذه السجون، وكيف أعدت للموت البطيء يمكنه مشاهدة حلقات تليفزيونية قدمتها مع د. طارق الزمر عميد المعتقلين المصريين الذي قضى ثلاثين سنة كاملة في سجون مبارك منها ثمانية سنوات في حبس انفرادي أشبه بحياة القبور، وكذلك مع الشيخ ممدوح علي يوسف الذي قضى قرابة عشرين سنة، منها ست سنوات في زنزانة انفرادية لم تفتح قط في سجن العقرب ذائع الصيت، حتى أنهم لم يتمكنوا من إخراجه إلا بقص الباب الذي ران عليه صدأ السنين.
وحدثني من ذاق الأمرين وسجن في العهدين أن سجون السيسي هي الأقسى والأسوأ من بين سجون العسكر، حيث تفردت بسوء المعاملة المتزايد، وسجن البنات والنساء، واعتقال الأقارب، والحرص على إهانتهم أثناء الزيارة وإذلالهم.
ويتخير ضباط السجن بعض المعتقلين البارزين ليمارسوا عليهم قدرا أكبر من الوحشية كالذي يحدث مع عصام سلطان وجهاد الحداد من تنكيل مستمر، ونقلهم كل فترة إلى عنبر التأديب! هل تستطيع لجان التفتيش لقاء واحد منهم أو من زملائهم في سجن العقرب؟ فقد كتب نجل د. عبد المنعم أبو الفتوح أن والده أغلقت عليه الزنزانة ثلاثة أيام أثناء الزيارة المسرحية!
ولكنّ الله لا يصلح عمل المفسدين، فقد نسفت روايتهم، وأكدت كذب مكيدتهم صورة محمود حسين صحفي الجزيرة الذي خرج لحضور جنازة والده الذي أصابته جلطة بعد اعتقال ابنه، حيث ظهر محمود على الحالة الحقيقية من الإجهاد والإعياء ونقصان الوزن كشأن بقية المعتقلين، بما يؤكد أن التقرير الذي نشرته الأمم المتحدة عن الوضع الكارثي للسجون المصرية وما يكتنفها من معاملة وحشية أدت إلى قتل الرئيس محمد مرسي وغيره من المعتقلين وما زالت أرواح الآلاف تتعرض لنفس الخطر، قد عبر عن جزء من الحقيقة.
وبدلا من أن يغير النظام من سوء معاملته، ويحسن من الأوضاع غير الإنسانية، لجأ إلى الحيل التمثيلية، والزيارات المسرحية لأنه يعلم أنه بمأمن من العقوبة ومن أمن العقوبة أساء الأدب، لكن يد القدرة تعمل في الخفاء، ورب المظلومين يمهل ولا يهمل، وعقوبته للمتجبرين بالمرصاد