المؤسسات الأممية والروابط الدولية الأصل فيها أنها هيئات تسعى لتحقيق المصالح العامة، وتعمل على إفادة المنتسبين إليها، فهل هذا متحقق في الهيئات العربية أو المنظمات الإسلامية، أم أنها مرتبطة بقرارات دول بعينها، ومرهونة بتقلباتها السياسية، وأحوالها المزاجية؟
لا أدل على ذلك من جامعة الدول العربية التي تأسست في 22 من مارس/آذار 1946 ومقرها “القاهرة” وأمينها العام من بلد المقر، وهو يعبر في الأساس عن توجهات الحاكم الذي رشحه لهذا المنصب الرفيع! وإذا تفحصت تاريخ نشأتها ستجد أنها ظهرت قبل إعلان الكيان الصهيوني عن نفسه في عام 1948 ليجد الرؤساء العرب مكانا يعبرون من خلاله عن الشجب والاستنكار، وإصدار بيانات الإدانة!
ومؤخرا استبيحت سوريا من كل صوب، ودخلها كل من هبّ ودب، وأصبحت حقل تجارب لأسلحة الدول الكبرى، ومسرحا للتنظيمات العابرة للقارات، وعندما تدخلت جارتها تركيا لتأمين الحدود المشتركة، وإنشاء مناطق آمنة للمهجرين، انتفضت الجامعة العربية، وتذكرت وحدة الأراضي السورية، وأرغت وأزبدت ضد الانتهاكات التركية!
وعلى المحيط الإسلامي تأسست منظمة التعاون الإسلامي في 25 من سبتمبر/أيلول 1969 كردة فعل على حريق المسجد الأقصى، والذي مازالت حرائقه مشتعلة حتى الآن! واتخذت المنظمة “جدة” مقرا لها، لتفعل بها السعودية ما فعلته مصر بجامعة الدول العربية، وإلا فما الذي تحفظه الذاكرة لمنظمة تأسست منذ خمسين سنة، وفيها أكثر من خمسين دولة إسلامية، إلا مؤتمرها الحاشد عند نقل رئاسة المنظمة من دولة إلى أخرى؟
وعلى نطاق أضيق أنشأت الدول الخليجية في 25 من مايو/آيار 1981 مجلس التعاون لدول الخليج لبحث قضايا البيت الخليجي من الداخل، والعمل على نهضة خليجية مشتركة، يمتلكون كل مقومات نجاحها، لكن البعض ضل الطريق، وتنكب السبيل، واتفق نصف أعضاء المجلس على حصار أشقائهم في قطر، بعدما فشلت خطة الاجتياح والعدوان.
وبعد مرور أكثر من عامين على الحصار، مازال مجلس التعاون الخليجي يرى عدم التعاون في هذا الملف، أو التعاطي معه! واحتجب الأمين العام عن الظهور، وأصبحنا ننتظر عودته من السرداب مع المهدي المنتظر!
حتى المنظمة الدعوية المعروفة برابطة العالم الإسلامي التي تأسست في 18 من مايو/آيار 1962 انحاز أمينها العام للاستقطاب السياسي، وتتابعت مواقفه وبياناته في هذا الاتجاه، وفصلوا العلماء الذين لا ترفعوا عن التبعية العمية، أو جمدوا عضويتهم، بل وأصبح بعض رموز الأمة ممنوعين من الحج والعمرة.
وحتى لا نذهب بعيدا، ولا نقلب في صفحات التاريخ كثيرا، فأين موقف هذه المنظمات من قتل وتعذيب شعب الإيغور المسلم من قبل حكومة الصين؟ أو تغول الهند على المسلمين، ونقض العهود والاتفاقيات حول إقليم كشمير؟ ناهيك عن المذابح وحرب الإبادة والتشريد التي يتعرض له شعب الروهنجيا المسلم على يد عصابة الحكم العنصرية في ميانمار؟
وقد يُهونُ عليك هذا الإهمال الجسيم إذا علمت أن الدول العربية المسلمة المتحكمة في هذه المنظمات، والمسيطرة على قرارها هي التي تسعى إلى زرع الفتن وتغذية الصراعات داخل البيت العربي، كما حدث في دعم الانقلاب على الرئيس المنتخب في مصر، ودعم الجنرال المتمرد على الحكومة الشرعية في ليبيا، ودعم الجناح الشيوعي في ثورة السودان، وضخ المال الحرام لعرقلة تجربة تونس، والسعي للتطبيع المباشر مع المحتل الغاصب في فلسطين، وأخيرا حرب الإبادة على الحجر والبشر، على الإنسان والبنيان في اليمن وأصبح شعارهم التعاون على الإثم والعدوان ! لذا لا يُستغرب سعيهم لإفشال القمة الإسلامية المصغرة في ماليزيا، التي تضم قطر وتركيا وباكستان وإندونيسيا، واستخدام كل وسائل الضغط لتحقيق ذلك، وبالفعل نجحوا في إثناء إندونيسيا وباكستان عن الحضور، بل وتباهى إعلام السعودية والإمارات بذلك ووصفوها بقمة الضرار!
ومع ذلك عُقدت القمة وشارك فيها ممثلون من أكثر من ثماني عشرة دولة، وعدد من الخبراء والعلماء وأهل الاختصاص لوضع خطة للنهوض بالأمة الإسلامية، والتصدي للحملات الشرسة التي تشن عليها من كل مكان.
لا يخفى على أحد الآن أن الحرب العالمية الثالثة انطلقت شرارتها، وأن مسرحها المختار هو البلاد العربية بخيراتها ومقدراتها، وأن تفكيك الدول الإسلامية المتماسكة وإنهاكها، هدف للحملات الصليبية الحديثة، ولعل هذا هو الباعث الحثيث لانعقاد قمة “كوالالمبور” الحالية، كخطوة أولية لتعاون إسلامي حقيقي بعيدا عن المعوقات والإملاءات التي تشترطها دول وظيفية ترى التعاون الإسلامي الحقيقي خطرا يهدد مصالح حكامها، ويبدد مطامع حلفائهم، ويخصم من رصيد كفلائهم الذين عاقدوهم وعاهدوهم على حماية عروشهم وقروشهم، مقابل التبعية، والانسلاخ من الأمة بالكلية.