بعد مرور تسع سنوات على انطلاق ثورة يناير فإني أرى جمرها مازال تحت الرماد، وسوف يَضرم نارها، ويُجدد أُوراها، جيل وعت ذاكرته عنها الشيء اليسير
ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني ليست ذكرى سنوية، وإنما هي أجمل ما قام به المصريون في عقودهم الأخيرة، والذي درس تاريخ الثورات التي غيرت مسار التاريخ ومثلت نقطة فارقة وفاصلة في حياة الأمم والشعوب، يدرك تماما أن أهم عوامل نجاحها ما تستغرقه من وقت، وما يقدمه أصحابها من تضحيات تتناسب مع الأثر المزلزل الذي تحدثه الثورات بعد نجاحها.
وإذا اتفقنا على هذه المقدمة خَلُصنا إلى أن ثورة يناير/كانون الثاني في 2011 كانت بداية جيدة تبعتها إخفاقات كبيرة مكنت الثورة المضادة من كسب الجولة الثانية سريعا، لكن بقيت جذور الثورة في تربة مصر الطيبة تنتظر أول قطرات الغيث حتى تنبت وتزهر، ويذهب بوارها وتكسوها خضرة الربيع، ويتفتح الورد في جناين مصر من جديد.
بعد مرور تسع سنوات على انطلاق ثورة يناير/كانون الثاني فإني أرى جمرها مازال تحت الرماد، وسوف يَضرم نارها، ويُجدد أُوراها، جيل وعت ذاكرته عنها الشيء اليسير، كان في عمر العاشرة أو دونها بقليل، والآن أصبح في فورة الشباب وعنفوان الرجولة، وبسواعده الفتية ستكون الضربة النهائية.
لقد وَضعت أيام التحرير الثمانية عشر حجر الأساس الذي سَيَبني عليه هذا الجيل حاضره ومستقبله، وسيرتفع به فوق حطام دولة الفساد والاستبداد.
إن الثورة الجزائرية في نسختها الأخيرة المعروفة بثورة التحرير استمرت سبع سنوات من 1954 إلى 1962 وضربت أروع الأمثلة وقدمت أكبر التضحيات، لم يُرهبهم تكالب قوى الشر، ولم يستعجلوا أوان النصر، أو يتسرب إلى نفوسهم اليأس، وأدركوا أن عليهم الأخذ بالأسباب، وما النصر إلا من عند الله، حتى جاءهم على قدر، وحققوا الفوز والظفر، وخرجت فرنسا بعد مكابرة ومناورة، تجر أذيال الخزي
بعدما ارتكبت كل أنواع الجرائم والفظائع التي بقيت آثارها حتى الآن!
والذي يثبت حيوية ثورة يناير /كانون الثاني وفاعليتها -وإن خَفَت ثناها وتغير مُحيّاها- ذلك الكم الهائل من الفزع والهلع الذي يعتري النظام العسكري مع بداية كل يناير/كانون الثاني، حتى أصبح يتشاءم من بداية العام الجديد!
الثورة ليس لها موعد محدد، وليست حفلة في قاعة تحتاج إلى حجز مسبق، بل هي لحظة انفجار تحدث دون سابق إنذار، وأول إرهاصات نجاحها المفاجأة والمباغتة، ومهما أخذ العساكر بوسائل التأمين والحَذَر، فَسيُؤتى الحَذِر من مأمنه وتأتيه الثورة من حيث لا يحتسب.
إن الجولة القادمة من ثورة الشعب المصري ليست تتويجا لثورة التحرير وحسب، بل هي الجولة الأخيرة من حكم العسكر بعد أكثر من ستين سنة متصلة من الظلم والقهر، والمكر والغدر، والمعتقلات التي ظلت مكتظة طيلة العقود الستة، وبقية الشعب في السجن الكبير تحت حكم الحديد والنار.
سنة الله في الفرج أن يأتي بعد شدة الكرب، وأن العسر معه اليسر، لذا فإن النسخة العسكرية الأخيرة التي جمعت أسوأ ما في النسخ السابقة، وزادت عليها في الجهالة، وتفوقت في العَمَاية والعَمَالة، وفعلت مالم يخطر على عقل بشر، فضياع النيل وبيع الجزر مبشر بزوال الحقبة برمتها، وكسر زِيرها وبُرْمتها…..
وغدا بإذن الله فجر جديد.