يوم العيد في زمن كورونا
مايو 22, 2020بين قتل الحويطي وجورج فلويد
يونيو 5, 2020جائحة كورونا جعلت الناس سواسية كأسنان المشط، لا فرق بين عربي وأعجمي، ولا بين فقير وغني، الكل في البلاء سواء، ولا تملك أمة من أسباب الوقاية والشفاء ما لا تملكه أمة أخرى!
بل تعالت أصوات في أمريكا وأوربا بأهمية الصلاة والدعاء، وسمحوا لأول مرة بإعلان الآذان خارج المساجد في كثير من البلدان لما له من أثر طيب على نفوس الناس.
تشابهت الدول إلى حد كبير في فرض الإجراءات الاحترازية لمحاصرة الفيروس والحد من انتشاره، وتفاوتوا في درجة الجاهزية حسب ما توليه كل دولة للقطاع الصحي فيها.
لكن مصر من البداية وحتى الآن تتعامل مع كورونا بشكل مختلف، وكأنها ليست من سكان هذه المجرة، ففي الوقت الذي بدأ فيه تفشي الوباء في الصين، واتخذت الدول التدابير التي تمنع انتقاله، استقبلت مصر فوجا سياحيا صينيا، ثم ذهبت وزيرة الصحة لزيارة بكين!
ومع انتقال المرض إلى أوربا وانتشاره بقوة في إيطاليا، سافرت الوزيرة نفسها محملة بالمساعدات الطبية إلى الطليان، ثم أرسلت مصر مساعدات طبية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بما أشعرنا حينها أن الدولة المصرية عندها من المخزون الطبي ما يزيد عن حاجتها، وما يمكنها من مساعدة الدول العظمى، أو أن الشعب المصري “لابس حجاب” أو عنده تعويذة دفع المرض.
استمرت حالة الإنكار والاستكبار عن ذكر أية إصابات في صفوف المصريين وقتا طويلا، مع ادعاء أن كل المصابين من الأجانب ويتم على الفور ترحيلهم إلى بلادهم، وواكب ذلك حملة إعلامية خلطت الجهل بالشيطنة، وروجت أن المصريين في مأمن من كورونا لأنهم يأكلون الشلولو والفسيخ !
ومع إعلان الأمم المتحدة عن مساعدات مالية للدول التي تعاني من تفشي المرض، سارعت الإدارة المصرية إلى الاعتراف واعتبرتها فرصة اقتصادية، كما تاجرت بعودة المصريين العالقين بالكويت وتعاملت بمبدأ الصفقة للحصول على مزيد من “الرز”.
إن ما تعلنه مصر عن حالات بالمئات، لا يتناسب مع عدد سكانها الذي يزيد على مئة مليون نسمة، وقد شاهد الناس جميعا تكدس الناس في الأسواق ووسائل المواصلات، نظرا لفرض حظر التجوال من دون دراسة ولا إعداد مسبق، لكن الذي كشف المستور تنامي أعداد المصابين بالفيروس من الأطباء والأجهزة المعاونة لهم، وموت بعضهم بسبب الإهمال، وعدم توافر الرعاية المناسبة، مع أنهم أكثر الناس علما بالمرض ووعيا بالاحتراز منه، والذي مكن الأطباء من وصول صوتهم من دون بقية الضحايا أنهم استخدموا الإعلام البديل، ووسائل التواصل الاجتماعي لدق ناقوس الخطر.
وَسَرَّع وتيرة الأحداث استقالة بعض الأطباء احتجاجا على ما حدث لزملائهم، فأصبحت معركة الدولة وأجهزتها مع “الجيش الأبيض” كما أطلقوا عليهم، وكأن كل جميل لابد من إضافته إلى الجيش، وكانت اتهامات التخوين معدة، وشماعة الإخوان جاهزة لتعليق أسباب الفشل عليها كالعادة!
حتى رموز نقابة الأطباء من المسيحيين تحولوا إلى إخوان مسلمين، ومن يحاول التصحيح أو الاعتراض فهو خائن وعميل.
منظومة الصحة في مصر بالية ومهترئة، وميزانيتها من أضعف الميزانيات، وكفاءة العنصر البشري وهو الشيء الوحيد الذي كان يميزها، بدأت تفقده بقوة في السنوات الأخيرة نظرا لهجرة الكفاءات لتدني الأجور، والتقتير على القطاع الصحي بصفة عامة، وفي المقابل نرى بذخا وسرفا في مرتبات وبدلات ضباط الجيش والشرطة ورجال القضاء.
الأطباء والطواقم الطبية هم خط الدفاع الأول في مواجهة المرض، وما يتعرضون له من مخاطر يجعلهم في رباط في سبيل الله، ولهم بإذن الله أجر المجاهدين في سبيله، ويجب على الدول دعمهم وتكريمهم بكل وسائل الدعم المادي والمعنوي وتدارك ما فات، من تقصير وهنات.
وفي الأخير لابد من التركيز على أمرين مهمين: الأول: دائما ما يحاول النظام العسكري الحاكم إبراز الجيش والقوات المسلحة في صورة المنقذ، وأنه القطاع الذي يملك التدخل السريع في كل القطاعات بداية من بيع السمك والطحينة، إلى بناء الكباري والصناعات الثقيلة، لكن في أزمة كورونا والكل يعرف أن الجيش له مستشفيات كبرى وفنادق ضخمة، ومع ذلك لم تبادر وزارة الدفاع بفتح المشافي الخاصة بها لعوام الناس، أو استخدام الفنادق للحجر الصحي، وفضلوا استخدام المدن الجامعية التي تفتقر إلى كل شيء.
الآخر: بعد تفكير طويل لم أجد مبررا لحالة الإهمال التي تعامل بها النظام مع المرض من البداية، وحالة التراخي في مكافحته، إلا أن تكون العقلية العسكرية معتمدة على وفرة عدد الشعب المصري، وإعمالا لما تربوا عليه من أن القائد له أن يضحي ب 20% من قواته أثناء التدريب، وقبل خوض غمار المعركة!
والذي يؤكد حدسي في أنهم يديرون البلد بقوانين المعسكر تفكيرهم في ضم الصيادلة إلى الأطباء للمساعدة في التصدي للمرض على طريقة تحويل ضابط الاحتياط إلى ضابط عامل!
إن استمرار سياسة الإهمال والاستهبال، أو وضع الرأس في الرمال، يجعلنا أمام كارثة محققة، ستمثل نقطة فارقة في تاريخ مصر الحديث.
وحرصا على عرض الصورة من كل زواياها، نؤكد على أن النظام المصري لم يفلح في فرض التباعد الاجتماعي، وحظر التجمعات إلا مع المساجد، فهي الساحة الوحيدة التي فرض فيها كلمته، وأحكم عليها سيطرته، وعند حديثهم عن العودة التدريجية للحياة الطبيعية، ووضع الخطة لذلك خلت خطتهم من ذكر عودة الناس إلى بيوت الله، وكأن الإغلاق كان هدفا مقصودا لذاته (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا ۚ أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ).