“العالم كله يتابع الآن كيف انتفض أكثر من ثلاثين مدينة في ولايات أمريكية مختلفة، احتجاجا على قتل شرطي لمواطن أمريكي من أصحاب البشرة السودا”.
كان المستورد القرشي عند عمرو بن العاص رضي الله عنهما فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تقوم الساعة والروم أكثر الناس، فقال له عمرو أبصر ما تقول! قال أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لئن قلت ذلك إن فيهم لخصال أربعًا؛إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك. رواه مسلم.
هذا الحديث الشريف من أمارات النبوة، إذ أخبر فيه رسول الله عن أمر مستقبلي، ووقع كما أخبر الصادق عليه الصلاة والسلام.
إن الواقع المشاهد والإحصاءات والأرقام تشهد أن جنس الروم هم النسبة الأكبر من سكان العالم الآن، وبَيَّنَ عمرو بن العاص أسباب هذه الوفرة، حيث يغلب عليهم الحلم عند الفتن، ويظهر هذا في دراستهم للأمور بتؤدة، وعدم أخذ القرارات تحت تأثير العواطف، وإذا وقعت بهم مصيبة أو حلت بهم هزيمة لم يستسلموا لها، وسرعان ما يرتبون أمورهم، ويرصون صفوفهم، والذي ينظر فقط إلى ألمانيا كيف عادت كقوة اقتصادية كبرى، وكيف استعادت بنيتها التحتية بعدما دمرتها الحرب العالمية، يرى عجبا!.
والصفة الرابعة تتجلى في عنايتهم بنظام التكافل الاجتماعي، وسن القوانين الملزمة به، فلم يتركوه إلى أريحية الناس، وزاد عمرو بن العاص صفة خامسة وصفها بالحسنة الجميلة وهي “وأمنعهم من ظلم الملوك” وتتجلى في قدرة المجتمع على التصدي لظلم الحكام، وعدم قبول الهضم أو السكوت على الضيم، وهو ما لا يحتاج إلى كبير تدليل، لأن المجتمعات الغربية تنظر إلى الحاكم نظرة طبيعية كأجير، بدرجة مسئول كبير، يرعى مصالح الناس ويقوم عليها، ويأخذ راتبه ومكانته بناء على ذلك، وهو ما كان عليه سلف أمتنا الصالح قبل أن تنبت نابتة السوء، من مرجئة كل عصر، الذين يقدسون حكام الجور، ويسبحون بحمد أمراء الظلم، ويخلعون عليهم أمارات أمراء المؤمنين، وهم من المردة المارقين!.
دخل أبو مسلم الخولاني على معاوية بن أبي سفيان وقال: السلام عليكم أيها الأجير، فقال الناس: الأمير يا أبا مسلم، فقال : السلام عليك أيها الأجير، فقال الناس: الأمير، فقال معاوية: دعوا أبا مسلم هو أعلم بما يقول، قال أبو مسلم: إنما مثلك مثل رجل استأجر أجيرا فولاه ماشيته، وجعل له الأجر على أن يحسن الرعية ويوفر جزازها وألبانها ، فإن هو أحسن رعيتها ووفر جزازها حتى تلحق الصغيرة وتسمن العجفاء، أعطاه أجره وزاد من قبله زيادة، وإن هو لم يحسن رعيتها وأضاعها حتى تهلك العجفاء وتعجف السمينة، ولم يوفر جزازها وألبانها غضب عليه صاحب الأجر فعاقبه ولم يعطه الأجر، فقال معاوية : ما شاء الله كان.
ظهرت مناعة الروم القوية من ظلم الحكام في أيامنا هذه في كثير من المواقف الفردية والجماعية، حتى أصبحت أمرا طبيعيا شب عليه الصغير، وشاب عليه الكبير، ومن ذلك اعتراض فلاح فرنسي على نبرة الرئيس ماكرون، وطلبه أن يخفض صوته، ويلتزم الهدوء وهو يتحدث إليه!.
والعالم كله يتابع الآن كيف انتفضت أكثر من ثلاثين مدينة في ولايات أمريكية مختلفة، احتجاجا على قتل شرطي لمواطن أمريكي من أصحاب البشرة السوداء، منددين بالعنصرية، ومعتبرين أن الرئيس الحالي دونالد ترمب هو أحد الأسباب التي تغذي هذا المرض العضال، الذي يعاني منه المجتمع الأمريكي، وزاد من رقعة الاحتجاجات وجود أكثر من أربعين مليون عاطل عن العمل في أمريكا بسبب أزمة كورونا وغيرها، ولطالما تباهي ترمب بالأموال والوظائف التي جلبها لشعبه من أصدقائه في السعودية وأصبحت كلمة “jobs …jobs “وظائف وظائف” من مفرداته المشهورة، ويخشى مراقبون أن يحملهم فاتورة إصلاح ما أتلفته المظاهرات!.
وعلى ذكر السعودية فقد أعاد مقتل الأمريكي جورج فلويد إلى مخيلتي صورة المواطن السعودي عبد الرحيم الحويطي في حديثه الذي انتشر على وسائل التواصل، بأنه لن يترك بيته الذي تريد الشرطة هدمه مع باقي بيوت القرية لبناء مشروع نيوم السياحي، وأنه ينتظر الموت على أيديهم، وهو ما حدث بالفعل!.
تذكرت صفة الروم “الحسنة الجميلة” وهم يلقنون النظام الأمريكي ورئيسه درسا بليغا، على جرم اقترفه واحد من صغار الضباط، في مقابل جريمة قتل الحويطي التي ارتكبها النظام السعودي كله، من دون أن ينكر عليه أحد، بل أظهر ولي الأمر منته، ورعايته لخواطر قبيلة الحويطات، وسلمهم الجثة كاملة لدفنها، بعدما غلب على ظنهم أنها ستقطع بالمنشار، ويكون مصيرها نفس مصير جثة خاشقجي، الذي حلت لعنة دمه على من تستر على جريمة قتله، فما بالكم بالآمر بها والمباشر لها؟ سيحل بهم في الدنيا قبل الآخرة ما يجعلهم يصرخون: “مالنا ولجمال”.