انقلاب يوليو والسبع العجاف
يوليو 3, 2020محمد منير رجل كبير
يوليو 17, 2020بلال وعثمان وسلمان، عنوان يختصر قصة الإسلام الذي جمع تحت راية واحدة العبد الحبشي، مع القرشي العبشمي، إلى جوار الوافد الفارسي، لبناء أمة واحدة، تقوم على عقيدة راسخة، لا تعرف القُطرية، وتحارب العصبية، يقول الله تعالى في سورة الأنبياء: (إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) الآية (92) ويؤكد المعنى في سورة المؤمنون:
(وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) الآية (52) واستقرت هذه العقيدة في نفوس من رضي بهذا الدين، وعلم حقيقته وأهدافه، وضُربت أروع الأمثلة على مدار التاريخ، وفي شتى حقبه على ذلك، ولو نظرنا أقرب البعيد سنرى نور الدين محمود زنكي حاكم حلب ومؤسس الدولة الزنكية، وهو من الأتراك السلاجقة، كيف نذر نفسه للقدس وفلسطين، وكيف جند جنده، وربى تلاميذه على ذلك، حتى تحقق حلمه على يد تلميذه الذي رفع الراية من بعده، الناصر صلاح الدين الأيوبي، ليكتب السلجوقي التركي مع الأيوبي الكردي قصة الإسلام من جديد، بتحرير الأقصى واستنقاذ فلسطين.
ثم حمل الراية نفسها الشيخ عز الدين القسام ابن اللاذقية السورية الذي تعلم في رحاب الأزهر الشريف، وتخرج في أروقته، وعينه على تطهير القدس وتحرير فلسطين من الصهاينة المحتلين، فرحل إليها وقاد الكتائب بنفسه، حتى لقي الله شهيدا على ترابها الطاهر، وحملت بعد ذلك كتائب المقاومة اسمه رمزا لها وعنوانا لبطولاتها، وأصبحت كلمة “القساميين” ترداف كلمة المجاهدين الصامدين!
وقبل أن نغادر واحة سورية الطيبة، ومن حل من أبنائها في رحاب الأزهر الشريف، لا ننسى سيد الشهداء الشاب الكردي ابن عفرين “سليمان الحلبي” الذي قَتل كليبر نائب نابليون وقائد الاحتلال الفرنسي في مصر، والتي حكمت عليه فرنسا بالإعدام مع أربعة من زملائه الأزهريين، وأمرت بقطع رأسه وحملها إلى متحف الإنسان في باريس، ومازالت تعرض للنظارة حتى الآن، ضمن أكثر من 18 ألف جمجمة جمعتها فرنسا الاستعمارية من البلاد التي احتلتها، وجزت رؤوس من قاومها من النبلاء والشرفاء والمجاهدين ضد وجودها، لتجعل منهم عبرة لكل من يفكر في الاعتراض على وحشية المحتل، وغطرسة الغاصب، والعجب العاجب أنه في الوقت الذي تعتذر فيه بعض الدول عن الحقب الاستعمارية، بل وتدفع تعويضات في سبيل طي هذه الصفحة المخزية من تاريخها، مازالت فرنسا عاصمة النور تفاخر بعرض الجماجم والهياكل!
ويأتي بعد ذلك من يسأل من أين استقت داعش فكرتها في قطع الرؤوس، والتمثيل بالبشر؟ إنهم تلاميذ متحف الإنسان الذي اغتيلت فيه الإنسانية، ولا تستحي فرنسا من الحديث عن مذابح الأرمن أو التنظير حول الحقوق والحريات، وهي التي لم يسلم من مذابحها أحد، وهي من سجلت على نفسها ذلك وتعرضه في متاحفها!!
لم يكن سليمان الحلبي إلا رقما من جملة الأرقام التي وضعتها فرنسا على جماجم إخوانه من قادة الجهاد والنضال من أبناء الجزائر التي قدمت سبعة ملايين شهيدا على مدار 130 سنة مدة احتلال فرنسا لأرضها، اشتهر منهم فقط قصة المليون شهيد الذين قدمتهم الجزائر في المرحلة الأخيرة من ثورتها، والتي عرفت بحرب التحرير التي بدأت في فاتح نوفمبر من عام 1954 وانتهت في 19 من مارس/آذار 1962.
وفي الثالث من يوليو/تموز 2020 أي بعد 170 عاما استعادت الجزائر رفات وجماجم 24 شهيدا ممن قتلتهم فرنسا إبان الاحتلال وحملتهم إلى متحفها، وكان من بينهم الشهيد “موسى بن الحسن الدرقاوي المصري” ابن محافظة دمياط الذي قاد المقاومة مع قبائل أولاد نايل في مدينتي الجلفة والأغواط حتى نال الشهادة ضمن قوافل المجاهدين.
وُلد موسى الدرقاوي في ضواحي مدينة دمياط المصرية في نهاية القرن الثامن عشر، وتوفي والداه وتركاه صغيرا فربّاه جدّه. انتقل إلى طرابلس الغرب سنة 1826 حيث تعلم العلوم الشرعية، ثم توجه إلى (المغرب) ومكث في جنوبها مدة عامين، غادر بعدها نحو الأغواط في الجزائر، ومكث بها عامين أيضا، ثم انتقل لمدينة مسعد سنة 1831، حيث رحب به سكانها وأصبح له الكثير من المريدين فيها .
تعاون الدرقاوي مع الشيخ أحمد بوزيان، أحد أعوان الأمير عبد القادر ضد المستعمر الفرنسي، لكن الفرنسيين حاصروهم، وأعطيت الأوامر بإبادة سكان واحة “الزعاطشة” التي يتحصنون بها، بمن فيهم الأطفال، والنساء والشيوخ، وقـطع أشجار النخيـل، وحرق المنازل، وبعد شهور من المقاومة، وبتاريخ 26 نوفمبر/تشرين الثاني 1849 نُسفت دار الشيخ بوزيان فسقط شهيدا، وأمر القائد العسكري الفرنسي “هيربيون” بقطع رأس الشيخ بوزيان، ورأسي ابنه والشيخ موسى الدرقاوي وتعليقهم على أحد أبواب مدينة بسكرة، ثم أرسلت جماجم بوزيان والدرقاوي إلى المتحف في باريس.
أعاد الدرقاوي كتابة قصة الإسلام من جديد حيث ولد في دمياط ونشأ وتعلم فيها، ثم أكمل مشواره التعليمي في ليبيا والمغرب، ثم ذهب للتطبيق العملي في الجزائر، وبعد عقود من استشهاده عاد ليدفن في ثراها الذي قتل من أجل تحريره، ولو عَكست مسار رحلة الشيخ الدرقاوي ستجد نفسك أمام مسيرة الإمام الأكبر الشيخ محمد الخضر حسين شيخ الأزهر، الذي أصوله جزائرية، ونشأ في تونس، ثم تولى مشيخة الأزهر في مصر!
إنها قصة الأمة الواحدة التي لا تعرف حدود المستعمر، ولا تلتفت إلى النزعات الجهوية ولا الجاهلية، تحقيقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم” رواه أحمد وأبو داود.
لذا اشتهر عن الإمام محمد رشيد رضا صاحب المنار أن والدته السيدة الحسنية كانت إذا رأته أصبح مهموما سألته: هل مات لك اليوم مسلم في الهند أو في الصين؟ وهو ما عبر عنه أحد رموز مدرسة المنار الشيخ محمد الغزالي لما سئل عن سبب همه البادي فقال: إنني كلما أصبحت فأنا في صبيحة يوم من يومين، اليوم الذي ضاعت فيه الأندلس، أو الذي احتلت فيه فلسطين.
وطني الإسلام لا أَبغي سواه…وبنوه أين كانوا إخوتي
مصرُ والشامُ ونجدٌ ورباه…معْ بغداد جميعا أمتي