ليبيا ومكافحة الزندقة
يوليو 26, 2020عصام العريان روعة البداية وحسن الختام
أغسطس 14, 2020الدول الكبرى لها نزعات توسعية، وتأمل دائما في تحقيق حلم الإمبراطورية، من خلال احتلال الدول الأضعف والسيطرة على مقدراتها، والتاريخ القريب في الحقبة الاستعمارية السابقة خير دليل على ذلك.
لكن استمرار روح المقاومة في البلاد المحتلة، ورغبة الشعوب في الاستقلال، جعل كُلْفة الاحتلال عالية، وأثمانه غالية، فكانت الخطة البديلة في الاحتلال عن بعد، من خلال الغزو الفكري والاستعمار الثقافي، ووضع زمام الأمور في أيدي قيادات محلية تدين لها بالولاء والطاعة العمياء، وهم أقدر على تنفيذ المخطط لأنهم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، لذا لم تدم فرحة الشعوب طويلا بالتحرير المنقوص، والاستقلال الشكلي.
رحل الاحتلال لكن بعد أن قسّم البلاد ورسم حدودها، بما يضعف قوتها ويفتت وحدتها، وغرس الإحن والصراعات بين شعوبها، لاسيما مع القنابل التي زرعها بعناية في المشاكل الحدودية بين الجيران، التي تفجر الخلافات كل فترة.
لم يرث خلفاء الاحتلال شيئا نافعا من حلفائهم، وظهرت وجوههم بكل ما فيها بثور وندوب، وهنا وقعت المقارنة بين الاحتلال الأصيل، وخلفه البديل أو العميل، فانحاز أصحاب الفكر المختل إلى عودة المحتل، وكأننا أمام معادلة ثنائية بين الاحتلال أو صبيانه، والعحب أن الأمم التي نجحت في طرد المحتلين، فشلت في اقتلاع جذروهم وذيولهم!
لذا رأينا من ينادي على الرئيس الفرنسي “ماكرون” أثناء تفقده لمرفأ بيروت بعد تدميره، ويطالبه بالعودة لاحتلال لبنان!
إن ما شهدته العاصمة بيروت من انفجار الميناء الرئيسي فيها، وسقوط عشرات القتلى وآلاف الجرحى، وتهدم المنازل والبنايات بأعداد كبيرة ترك أثرا بليغا في نفس كل من يحب لبنان وأهله.
وطبيعة الانفجار المروع وملابساته أشبه ما تكون بالوضع اللبناني المعقد الذي يلقي بظلاله الكثيفة على كل شيء.
تداعت الدول الشقيقة والصديقة لتقديم المساعدات العاجلة لتخفيف وقع الكارثة، لكن اللافت مبادرة الرئيس ماكرون بالزيارة التي التف حوله فيها قطاع معين رأى فيه السيد المخلص، وجاءت كلماته الموجهة والمختارة بعناية حاملة في طياتها الكثير من المعاني والرسائل، التي اعتمد فيها على ضعف الذاكرة عند أهل البلاد المحتلة، مع أن المجازر الفرنسية في الأراضي التي احتلتها حُفرت في ذاكرة التاريخ وتقاوم النسيان، كما أن الجديد منها في ليبيا يذكر بالقديم الذي كان في الجزائر.
الرئيس ماكرون ليس هو رسول السلام المنتظر، فهو الداعم الرئيس لإرهاب اللواء المتمرد خليفة حفتر، والمتستر على مقابره الجماعية التي ظهر بعضها في ترهونة، لكن مجاذيب الفرنكفونية جُبلت نفوسهم على حب الوصاية، وعشق التبعية، حتى لو كان في ذلك فقدان الاستقلال، وضياع الحرية!
ليس الحل في عودة المحتل، وإنما في خوض الجولة الثانية لاقتلاع جذوره، والتخلص من نظام الدول الوظيفية، والزعامات المصنوعة، التي لا تعدو كونها “سكرتارية” لا ترقى إلى درجة المحافظين، وتمكين الشعوب من اختيار الحاكم، وحق مساءلته واستبداله بمن يحقق مصالحها ويحافظ على مقدراتها.
المقارنة السريعة بين تصريحات رئيس فرنسا، ورئيس لبنان حول تفجير المرفأ الكبير، أوضحت أن الدول الكبرى مازالت تمارس وصايتها على إرثها الاستعماري القديم، وإذا ظهر فشل الإدارة المحلية وأوشكت على الانكشاف والسقوط، تدخلت علانية لإدارة الموقف قبل فقدان السيطرة، وهذا ما ظهر من كلام مسيو ماكرون، أما الرئيس عون “فكان الله في العون”.