الدعوة إلى الثورة
سبتمبر 25, 2020ماكرون:”أدب سيس”!
أكتوبر 8, 2020” منين أجيب ناس لمعناة الكلام يتلوه…كلام قالوه ناس، وياما بكره ناس يقولوه!.. ويقولوا مُرة الحقيقة، لكن ليه عويس قتلوه؟! “
سيُخلد ذكر الشهيد عويس الراوي في ذاكرة الأجيال، وستُحكى حكايته مع حكايات القصص الشعبي للشجعان والأبطال.
أصل الحكاية أن الشعب المطحون أصبح مهددا بهدم البيوت فوق رؤوس من فيها، فخرج يعبر عن رفضه للظلم في مظاهرات متفرقة، بعفوية مطلقة، دون زعامة من أحد، أو توجيه من جهة، لكن أعين المخبرين رصدت بعض البارزين فيها، وبادرت الشرطة بحملات مداهمة واعتقال واقتحام للبيوت، وكان منها منزل الحاج الراوي في قرية العوامية بمحافظة الأقصر في صعيد مصر، بحثا عن أحد أولاده الذي شارك في مظاهرات 20 سبتمبر، ولما لم يجدوا المطلوب قام أحد الضباط بتعنيف الوالد المسن ثم صَفعه على وجهه، أمام بقية ولده، فرد أحدهم صفعة أبيه على وجه الضابط مباشرة، ولو فعلها السيسي نفسه ما كان عويس الراوي سيتأخر عن ردة الفعل الطبيعية دفاعا عن كرامة والده، وتلبية لنداء الغيرة والشهامة، عندها صوب الضابط مسدسه إلى رأس عويس، وأطلق عليه الرصاص فأرداه قتيلا في الحال وأمام نظر الجميع !
كان يمكن لهذه القصة ألا تأخذ حقها بين الركام الكثيف من قصص القتل والسحل والهدم والسجن، لكن خروج الجموع في جنازة عويس الراوي وهتافها بالهتاف الذي تحول من شعار للمظاهرات إلى سنة من سنن الجنائز، حيث بدأ من غزة في جنازة الصيادين الذين قتلهم حراس الحدود لجنوح قاربهم قرب المياه المصرية، ثم تكرر في العوامية “لا إله إلا الله محمد رسول الله، والسيسي عدو الله”!
هذا الوصف الذي لم يَسبق للشارع العربي أن اتفق على هتاف بعد الهتاف للأقصى، كما اتفق على هذا الوصف، ولا أظن أن حاكما قبل السيسي أجمعت الشعوب العربية على وصفه بذلك!!
تُرى أي خيانة ظاهرة، وأي خبيئة مستترة أهلته لذلك؟
فتحت الشرطة نيرانها الكثيفة لتفريق المشيعين لجنازة عويس الراوي، وأطلقت عليهم قنابل الغاز الخانق والمسيل للدموع، في سابقة لا يعرفها المجتمع المصري، ولا يقبلها العرف الصعيدي، الذي يولي الجنازة قداسة ومهابة حسب موروثه الأصيل من سنن الإسلام وأحكامه، روى البخاري من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى قَالَ كَانَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ قَاعِدَيْنِ بِالْقَادِسِيَّةِ فَمَرُّوا عَلَيْهِمَا بِجَنَازَةٍ فَقَامَا فَقِيلَ لَهُمَا: إِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ – أَيْ: مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ – فَقَالَا: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ فَقَامَ،فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ فَقَالَ: أَلَيْسَتْ نَفْسًا ؟”
لكن نظام السيسي لا يعرف أخلاق الإسلام، ولا مُروءات الجاهلية، وقوات الشرطة تخطت حاجزا كبيرا، وكسرت تقاليد عتيقة، مما جعل أهل العوامية يهتفون “الداخلية بلطجية” واشتبكوا مع قوات الشرطة التي طوقت القرية وحاصرت كل مداخلها. ويجدر بنا هنا أن ننبه على عدة أمور:
أولها: أن الشعب يدرك أن هؤلاء الضباط والعساكر أداة في يد الطغاة، ينفذون سياستهم ويحفظون كراسيهم، وأن الفاعل الحقيقي هو رئيسهم الذي علمهم الفجر يوم قال: لن يُحاكم أي ضابط على عمل ارتكبه أو خطأ وقع فيه !
ثانيا: لولا أن السيسي يطل علينا كل فترة متبجحا بما يتخذه من قرارات وجنايات، لقلت إن هناك دولة عميقة تعمل ضده، وتورطه في عداء كل طبقات الشعب بجميع مكوناته، وأنها تهدف من وراء التصعيد المبالغ فيه، إلى تثوير الناس وحملهم على الخروج لإزاحته، لأن النتيجة أصبحت واحدة، وأن القتل والسحل سيأتي إليك وأنت في عقر دارك.
ثالثا: العوامية ليست مجرد قرية في الأقصر، وإنما هي قبيلة، وعائلة من كبرى عائلات الصعيد وموجودة في أكثر من محافظة.
رابعا: كل يوم يمر من حكم السيسي يثبت فيه للمصريين أن تكلفة الثورة، أقل من تكلفة السكوت على الظلم وقبول الذل، ولكن ما حدث في العوامية لن تطويه ذاكرة النسيان، وسيكون يوما له ما بعده، وسيسجل في اللحظات الفارقة من عمر الثورة المصرية.
أخيرا: بدأت ثورة مصر في الخامس والعشرين من يناير عام 2011 وما زالت جذوتها مشتعلة حتى الخامس والعشرين من سبتمبر 2020 ولن تخمد حتى تحقق أهدافها، وسبع سنوات في عمر الثورات ليست بالشيء الكبير، ومن شواهد النجاح وقرب ساعة النصر – والنصر صبر ساعة – أنه اتسع الخرق على الفاشل، وأن السبع العجاف التي انقضت، أعقبها عام فيه يُغاث الناس وفيه ينتصرون.