فكان تصريح شوقي علام بمثابة صدى الصوت للتأكيد على أن الأمر ليس مجرد تصريح، وإنما هو مرحلة متقدمة في محاربة الوجود الإسلامي خارج نطاقهم وسبحان من أيد الإسلام بصوفي، وأظهر حقيقة شوقي
لم تمر أيام على تهجم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على الإسلام، ووصفه بأنه في أزمة في كل مكان، حتى جاءه الرد سريعا من آخر رهينة فرنسية في العالم السيدة صوفي بترونين البالغة من العمر 75 عاما التي ظلت مختطفة في مالي قرابة أربع سنوات، وأفرج عنها مقابل إطلاق سراح مائتي أسير حسب بيانات حكومة مالي، وفدية قدرها البعض بعشرة ملايين يورو.
خرج ماكرون لاستقبالها في المطار في حشد من رجال دولته الذين أعدوا مؤتمرا صحفيا ينقل إلى العالم لحظات الفرح وموكب البهجة والسرور، لكن تبدد هذا كله مع ندائه الأول “مرحبا صوفي” وظن أنها ستأخذه بالأحضان كما حدث في لبنان، لكنها قالت له في سكون واتزان، أنا لست صوفي الآن أنا أسلمت واسمي مريم، وسأرجع إلى مالي مرة أخرى لأساعد المحتاجين هناك.
وهنا ظهرت أزمة ماكرون الذي دفع الفدية، وأطلق الأسرى المسلمين من أجل مسلمة غطت رأسها في الوقت الذي يحارب فيه الحجاب بكل ضراوة!
بُهت الذي مكر، وبقيت خطبته حبيسة جيبه، ولم ينفخ في الميكروفونات المعدة كما نفخ من كير حقده.
تكررت نفس القصة في أفغانستان وفي الصومال حيث أسلم الأسرى لما وجدوه من حسن المعاملة والرفق بالأسير الذي جعل له الإسلام حقوقا وواجبات، وعد الإحسان إليه من أعظم القربات: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً. إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً)
وترجع أصول هذه المعاملة إلى القواعد الأولى التي أرساها رسول الله صلى الله عليه وسلم في التعامل الأول مع قضية الأسرى في أعقاب غزوة بدر حيث روى أحد القرشيين قال: كنت عند رجل من الأنصار فكان يخصني بلين الطعام ويأكل ما يبس منه، فلما سألته قال لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا فقال: أحسنوا إلى أسراكم.
أسلم الأسرى الأجانب في البلاد التي يصورها الغرب على أنها غابات يقطنها وحوش، وفي المقابل يروي أسرى المسلمين الذي كانوا في غوانتنامو والسجون الأمريكية فظائع يشيب لهولها الوليد، وما فعلوه في سجن أبو غريب في العراق ليس منا ببعيد…..
* مَلكْنا فكان العَفْو منَّا سَجيَّةً / فلمَّا ملكْتُمْ سالَ بالدَّمِ أبْطَحُ.
* وحَلَّلْتُمُ قتلَ الأسارى وطَالَما / غَدوْنا عن الأسْرى نَعفُّ ونصفَحُ.
* فحسْبُكُمُ هذا التَّفاوتُ بيْنَنا/ وكلُّ إِناءٍ بالذي فيهِ يَنْضَحُ.
لا ينكر منصف أن الإسلام يكسب كل يوم أرضا جديدة، بفعل القوة الذاتية التي مصدرها الربانية المتسقة مع الفطرة السوية، وفي نفس الوقت لا ننكر أن حصوننا مهددة من الداخل، وأن ما يُطعن به الإسلام من بعض المنتسبين، أنكى وأشد من مطاعن الأعداء التقليديين ونفثات صدور الموتورين، وأصدق مثال على ذلك ما صرح به مفتي الديار المصرية “الحالية” شوقي علام بأن نصف أبناء الجيل الثاني والثالث من أبناء المسلمين في أوربا من الدواعش، وكأنه يأخذ بيد ماكرون بعد أزمته مع صوفي “مريم الجديدة” ويقدم لليمين المتطرف على طبق من ذهب ما يُمكنه من الزيادة في حرب الإسلام، وإحكام التضييق على المسلمين.
إن هذا التصريح لا يقل خطورة عن أحكام الإعدامات الجائرة التي يصدق عليها المفتي بشأن الأبرياء في مصر، وأنا على يقين من جهله بعدد المسلمين في أوربا، الذي يصل إلى عشرات الملايين، ففي ألمانيا وفرنسا فقط ما يزيد عن عشرة ملايين مسلم.
كانت ردة الفعل على تصريح المفتي قوية حتى شيخ الأزهر د. أحمد الطيب غرّد عبر حسابه الرسمي على تويتر قائلا: (مقولة: “المسلمون إرهابيون؟!” هذه المقولة خُدِعَ بها وابتلعها كثيرون حتى من أبناء المسلمين أنفسهم، والحقيقة التي يشهد بها الواقع والتاريخ والضمير الحر أن المسلمين هم بناة حضارة في كل مكان وُجدُوا به حتى في قلب أوربا، والآن هم ضحايا الكيل بمكيالين في عدد من هذه البلدان).
حاول شوقي علام التنصل من تصريحاته المتلفزة وكان يمكنه الاعتذار والتصحيح، لكنه عمد إلى المراوغة قائلا: أنا قصدت أن نصف الدواعش من أبناء المسلمين في أوربا، فزاد الطين بلة والمرارة علقما!
ويبدو أن من وسوس إليه بصيغة الاعتذار أغواه بعزو كلامه إلى تقرير نشرته مجلة النيوزويك في 2016 وبالرجوع إلى التقرير وجد خاليا من أي إشارة إلى ما قاله “فضيلة المفتي”!
لكن مصدره الحقيقي هو كلام السيسي في مؤتمر ميونيخ في فبراير/شباط 2019 الذي حذر فيه من مساحة الحرية الممنوحة للمراكز الإسلامية في أوربا وضعف الرقابة عليها، وهو ما أكده وزير خارجية الإمارات في نفس المؤتمر، فكان تصريح شوقي علام بمثابة صدى الصوت للتأكيد على أن الأمر ليس مجرد تصريح، وإنما هو مرحلة متقدمة في محاربة الوجود الإسلامي خارج نطاق سيطرتهم، وسبحان من أيد الإسلام بصوفي، وأظهر حقيقة شوقي!