يأتي شهر رمضان بنفحات وبركات، ومعها سيل من الذكريات التي ارتبطت به، وأصبح ما تعوده الناس فيه من التقاليد من لوازم الشهر الفضيل التي لا تنفك عنه، وهي مختلفة حسب تنوع الموروثات واختلاف الثقافات، ومع تطوافي في شرق العالم وغربه لم أجد ما يشابه تقاليد أهل الصعيد مع القرآن الكريم في رمضان، حيث يجتمعون كل ليلة بعد صلاة التراويح في المكان العام “المضيفة، المنضرة، المقعد، الدوار” كل هذه مسميات للمكان الذي يستقبل فيه الضيوف ويجمع أفراد العائلة، ويجمعهم في رمضان مع “شيخ السهرة” أو “سهرة رمضان” ويقال عنها “السهرة” اختصارا، ولكل عائلة شيخها الذي يقضي معهم الشهر كاملا، يجتمعون حوله في الإفطار ويجتهدون في صلته وإتحافه بما صنع في بيوتهم، ولإفطارهم مع الشيخ في المكان العام مقصد هام، وهو البروز لعابر السبيل، واستمالة من أدركه الفطر في الطريق، وبعد صلاة التراويح يعودون لسماع ما تيسر من آيات الذكر الحكيم مرتين أو ثلاثة على الأكثر، ويتخلل ذلك سمر وحديث عام.
ومن طرائف سهرة رمضان أنها تصبغ الزيارات بطابعها الخاص، حيث يكون أول ما يكرم به الضيف القادم سماع شيء من قارئ السهرة، إلا إذا كانت الزيارة مكبرة ومع الوفد قارؤهم فهو أولى بالقراءة، ثم يقرأ بعده قارئ المكان، وهذا يحتم رد الزيارة واصطحاب الشيخ للقراءة عند من بدأ بالزيارة في لون من التزاور بالقرآن في شهر القرآن .
إذا كان مسكن قارئ السهرة قريبا يقدم له سحور مبكر، وبعضهم يفضل السحور في بيته، وإن كان قادما من مسافة بعيدة، فإن أفراد العائلة يتناوبون على تقديم السحور له، ويبيت في مكان النوم الملحق بكل مضيفة.
ولا أنسى يوما كنا في مجلسه واتصل به المحافظ يسلم عليه مبديا سروره بوجوده، متمنيا عليه أن يمد الزيارة يومين ليستقبل معهم جمال مبارك نجل الرئيس الذي سيزور سوهاج، فاعتذر له السفير رفاعة
وإذا سافر الرجل الصعيدي أو اغترب كان تعلقه بسهرة رمضان أشد، وتفقده لحال القارئ أكبر، وربما انقطعت عادة السهرة لضيق ذات اليد أو ضيق المكان، وسرعان ما يقول المسافر سنعيدها سيرتها الأولى، ومن نوادر ذلك أن قصر الشيخ رفاعة الطهطاوي وهو من المعالم في مدينة طهطا بمحافظة سوهاج، انقطعت عنه سهرة رمضان لا سيما وأن جيل الأبناء نشأ في القاهرة وفترت علاقته بالصعيد، حتى جاء السفير الحفيد محمد فتحي رفاعة الطهطاوي فجدد البنيان وأعاد العمران، وأصبحت زياراته دورية وصلاته قوية مع العلماء والوجهاء وعوام الناس، وأعاد سهرة رمضان، والتفاف الناس حول قارئ القرآن، كما كان حريصا على الحضور ليشهد الأضحية بنفسه، أو يرسل ولده في حالة سفره، ولا أنسى يوما كنا في مجلسه واتصل به المحافظ يسلم عليه مبديا سروره بوجوده، متمنيا عليه أن يمد الزيارة يومين ليستقبل معهم جمال مبارك نجل الرئيس الذي سيزور سوهاج، فاعتذر له السفير رفاعة بأنه جاء في عطلة خاصة، والزائر ليس مسؤولا في الدولة حتى أكون في استقباله، حيث كان موقفه واضحا من رفض توريث الحكم، وهو ما جعله ينضم مبكرا إلى ثورة يناير، ويعلن استقالته من ميدان التحرير، وهذا من أكبر أسباب تنكيل النظام به واعتقاله بلا تهمة منذ أكثر من سبع سنوات، ولعلنا نتناول ذلك من كل جوانبه في لقاء قادم بإذن الله.