هل انتصرت فلسطين؟
مايو 21, 2021صمود غزة وسقوط نتنياهو
يونيو 4, 2021حرب سيف القدس الأخيرة التي خاضتها قوى المقاومة في غزة للحد من غطرسة جيش الاحتلال تجاه المقدسيين مثلت لحظة فارقة ومرحلة لها ما بعدها، وبدأت تَطبع الأحداث بطابعها فتغير التحالفات وتقلب العداوات إلى صداقات، وتؤسس لمرحلة بدت فيها غزة الذراع القوية للقضية الفلسطينية، وأنها الممثل الحقيقي للشعب، بل والمسؤول عن الدفاع عن حقوقه، وحماية مقدسات المسلمين.
واستطاعت من خلال الصواريخ التي تكلف بضع مئات من الدولارات، أن تكبد العدو وحلفاءه خسائر بالمليارات، أُنفقت على القبة الحديدية التي غربلتها صواريخ عيّاش والقسام، وعلى الحملات الإعلامية والدعائية التي سوّقت للتطبيع، وحاولت أن تظهر أن الأمة باتت تحت لحاف إسرائيل، فكشفت المقاومة الغطاء، وأسقطت ورقة التوت فبدت السوءات وظهرت العورات.
ولم يحدث هذا التعري لسوءة المطبعين والمنتظرين فقط، وإنما كانت لحظة كاشفة ومرحلة فاصلة في الحكم على الرئيس التونسي قيس سعيّد، الذي مثل خيبة للآمال، وانتكاسة من جملة إخفاقات العربي وتجلياته، والأمر بالنسبة لي له بعد شخصي لا بدّ من توضيحه أولا، وهو انخداعي الكبير بخطاب د. قيس سعيّد وتجاوبي العاطفي مع حرصه على اللغة الفصحى واهتمامه بالخط العربي، وسوَّقَ ذلك عندي ثلة من الشباب الذين درسوا على يديه في الجامعة وأحسنوا تقديمه للناس، مع أنها لا تعدو أن تكون مواصفات مدرس ممتاز أو أكاديمي متميز، لكن السبب الرئيس الذي جعلني أدخل أتون معركة الرئاسة التونسية، وأتبع هذا السراب وأعلن تأييد قيس سعيّد وأكتب عن هذا وأدعو له، هو ترشح الأستاذ عبد الفتاح مورو للرئاسة وخشيتي من انفتاحه غير المنضبط بالكلية، وطريقته في الليبرالية التي يُلبسها العباءة الإسلامية، ويُكوّر لها عمامة شرعية.
وكتبت في هذا المكان حينها أني مع قيس سعيّد لأنه سيحمل وزره وحده، أما السيد عبد الفتاح فسيحشرنا في زاوية المقاصد التي تنسف المحكمات والثوابت، ويستدعي صلح الحديبية في كل نازلة أو قضية، وما رأيناه في سلوكه العام وسقطات الإعلام جعلنا نفر منه فرارنا من المجذوم أو من الأسد.
ويأتي في المرتبة الثانية بعد ترشح الأستاذ مورو، موقف قيس سعيّد الواضح من احتلال فلسطين، ورفضه القاطع للتطبيع مع المحتلين، وحرصه على وصف ذلك بالجريمة في كل محفل، فاستبشرنا بالرجل وقلنا لعله من مفاجآت تونس التي عهدنا سبقها إلى الخيرات.
حتى جاءت صواريخ غزة، وصوت النفير الذي قصم ظهر البعير، وكان أول اختبار حقيقي للرئيس التونسي في معركة التحرر الوطني ضد الصهاينة
لكن ما إن استقر الرجل في قصر قرطاج حتى بدأت تتبدل الأحوال، ويعبث خمر السلطة وحب البقاء فيها برأس صاحبها، وتعقد الملف التونسي بين الرئاسة والحكومة والبرلمان، وبدا السيد قيس رجل القانون الأكاديمي أميل إلى عسكرة المشهد، من خلال محاولة إقحام الجيش في المشهد السياسي، وأن يجعله اليد الباطشة التي يرهب بها خصومه، ثم جاءت موجة التطبيع الرخيص والهرولة المجانية إلى أحضان المحتلين، فاعتبر ذلك شأنًا خاصًا بأصحابه، وحذف مصطلح جريمة التطبيع من مفرداته وخطابه، ثم جعل قبلته قصور المستبدين وعواصم الثورة المضادة وأعداء الربيع العربي، يستلهم تجربتهم ويمني النفس لو استطاع أن يكون مثلهم ويحذو حذوهم، ونسي أنه لولا الربيع العربي ما غادر كرسي التقاعد، ومحاضرات الأستاذ المتفرغ لطلاب الجامعة!
حتى جاءت صواريخ غزة، وصوت النفير الذي قصم ظهر البعير، وكان أول اختبار حقيقي للرئيس التونسي في معركة التحرر الوطني ضد الصهاينة، فصمت صمتًا مريبًا، وسكت سكوتًا عجيبًا، ولم يستخدم سلاح الخطابة أمضى أسلحته، في الوقت الذي لم تخلُ بقعة في العالم من حشد وتعاطف مع أهل فلسطين وفضح بشاعة المحتلين، ولم يقتصر الأمر على هَبة الشعوب الحرة بل تدخلت دول وحكومات وسجل بعضها مواقف رائعة في فضح الظالم ونصرة المظلوم، كما فعلت قناة الجزيرة من قطر التي جعلت العالم في بؤرة الحدث ومنعت تزييف الحقائق أو تضليل المشاهد، وكذلك الكويت التي أثبتت أنها على العهد قيادة وبرلمانا وشعبا، وأطلقت أكبر حملة لدعم صمود الأشقاء تحت عنوان “فزعة القدس”، وكانت تركيا هي الصوت الأعلى في طلب التصعيد ضد إسرائيل وتحريض العالم على لجم عدوانها وكبح عنفوانها تجاه العزل والمدنيين، وعلى نفس الخط وقفت باكستان.
مع قرب نهاية المشهد ودخول وسطاء التفاوض وظهور سماسرة الإعمار، خرج علينا الرئيس التونسي بتصريحات متأخرة، وكلمات ليس فيها جديد، وكأنها أجزاء من خطابات ومحاضرات سابقة!
ويبقى الرئيس قيس سعيّد بالنسبة لي خديعة كبرى أوقعني فيها حرصي على غياب عبد الفتاح مورو عن المشهد، وفاتني أن من دفعه للترشح كان يريد أن يغيبه تمامًا، فاقتضى ذلك شكري له، واعتذاري عن الوقوف مع قيس سعيّد والدعوة لانتخابه، ولكن ما يعزيني أننا في زمن رئاسة الدورة الواحدة، ولهم في دونالد ترمب العظة والعبرة، وأَستبشر بذلك لإيمانويل ماكرون عن قريب، وأراه متحققا في الرئيس قيس سعيّد وليس على الله ببعيد.