إعدام بقطع الشريان
يونيو 25, 2021إثيوبيا في مواجهة طالبان
يوليو 16, 2021بعد اجتماع مجلس الأمن لنظر الشكوى المقدمة من مصر والسودان ضد استمرار خطوات إثيوبيا المنفردة في استكمال الملء الثاني للسد الذي تقيمه على نهر النيل، أصبحت الصورة أكثر وضوحا من كل زواياها.
أولا: الجانب الإثيوبي
أكد بمنتهى الوضوح -من خلال المفاوضين والمتحدثين الإعلاميين- أن موقفه القانوني صحيح مئة بالمئة، وأن الملء الثاني الذي تعترض عليه مصر، تم وفقا لاتفاق المبادئ الذي وقع عليه السيسي في الخرطوم، بل صرح عضو اللجنة الفنية الإثيوبية للمفاوضات قبيل اجتماع مجلس الأمن بأنه لا يوجد إطار قانوني دولي ملزم يجبرنا على وقف التعبئة الثانية للسد، واجتماع مجلس الأمن اليوم لا يمكنه وقف التعبئة الجارية حاليا.
والدليل على ثقة إثيوبيا من متانة موقفها أنها أخطرت مصر بالبدء في الملء الثاني عن طريق رسالة بالبريد الإلكتروني من باب العلم بالشيء، كما يحدث بين الموظفين في شركة واحدة!
ثانيا: الجانب السوداني
لهجته في الحديث عن مخاطر السد أكثر وضوحا، وصوتهم كان الأعلى في مواجهة محاولات السيطرة الإثيوبية على النيل واعتباره نهرا إثيوبيا، وجُل تركيزهم على التدخل الدولي الذي يلزم إثيوبيا برعاية مصالح دول المصب، ولم يتجاوز السودانيون هذا السقف لأسباب عدة منها: أن التدخل العسكري -بأي صورة كان- ستكون كلفته الأكبر على الشعب السوداني الذي يعاني من أزمات متعددة على جميع الأصعدة، وتحكمه إدارة انتقالية تعاني من ضياع البوصلة الوطنية، وتسعى لفرض أجندة خاصة هي خليط من العسكرية والعلمانية.
ثالثا: الجانب المصري
ضبابية المشهد وعدم وضوح الرؤية والهدف هما سيدا الموقف، وتضارب المواقف والبحث عن نصر زائف أبرز ما يميز الحالة المصرية، بداية من الفرحة الغامرة التي عمت القطر المصري باتفاق المبادئ الذي وقعه السيسي منتشيا، وصوره الإعلام فرِحا منتصرا، وخرجت عناوين الصحف تقول “السيسي حلها”، إلى قولهم: إن سد إثيوبيا لن يؤثر على المصالح المصرية، ناهيك بالمشاهد العبثية والفواصل المسرحية من عينة: قول والله والله.. لن نسمح بأي ضرر لمصر!
وأغرب ما في المشهد سعة صدر الجنرالات وحرصهم على المفاوضات إلى آخر نقطة ماء، واختفاء عبارات السحق والمحق والهلاك والدمار التي تستخدم مع الشعب، كما في قضية الترشح والمنافسة على الكرسي قال السيسي: “اللي ها يفكر يقرب من الكرسي ده هاشيله من على وش الأرض شيل”، ومع مخالفات المواطنين لتراخيص البناء هدد بنزول الجيش مستخدما لفظ الإبادة!
كذلك مع الخصوم السياسيين أو من يحاول الانتقاد أو الاعتراض، تنزل مطارق النظام على أم رأسه، وربما تثكله أمه، أما مع إثيوبيا فصبر بلا حدود، وحرص على المفاوضات خلال عشر سنوات، استخدمتها إثيوبيا لكسب الوقت وتنفيذ خطتها في أسرع من الوقت الزمني المحدد، ويبدو أن النظام يفعل ذلك أيضا لكسب الوقت أمام الشعب، حتى يصبح على أمر واقع ثم يقال له: ليس في الإمكان أفضل مما كان، وعلينا التأقلم على الوضع والبحث عن بدائل.
أما الشعب نفسه فبعضهم يصدق الرواية الرسمية، ويتابع الأبواق الإعلامية، ويستسلم لجرعات المخدرات.
والقسم الثاني يعرف حقيقة الكارثة وهول المصيبة، لكن يخشى البطش والقهر وتلفيق القضايا وسهولة الإعدامات، وهناك فريق ثالث هم جماعة المنتفعين والمستفيدين، الذين يترجمون الكوارث إلى مكاسب، والمصائب إلى مصالح، وتدور منافعهم مع النظام حيث دار.
أما ما ينفطر له القلب، ويلتاع له الكبد أن بعض مباريات كرة القدم الأوربية تحظى باهتمام قطاعات من الشعب المصري أضعاف الاهتمام بسد إثيوبيا وملف مياه النيل!
رابعا: مجلس الأمن
عقد المجلس جلسة لنظر الموضوع وتحدثت كل الأطراف، وبدأت إثيوبيا باستنكار عرض الأمر على المجلس أصلا، وسأل مندوبها: منذ متى كان المجلس ينعقد للمشروعات التنموية؟ ونحن نقوم ببناء سد مائي، وليس مفاعلا نوويا، وليس لدينا خيار إلا في الاستمرار، بخلاف الجيران الذين لهم بدائل أخرى.
ثم أكدت وزيرة خارجية السودان على أن ما تقوم به إثيوبيا يعتبر إبادة خطيرة لجزء كبير من الرقعة الزراعية، يترتب عليها تعريض حياة ملايين السودانيين للخطر، واستمرت في مناشدة المجتمع الدولي للتدخل لمنع الكارثة.
أما وزير الخارجية المصري فتحدث بوضوح غير مسبوق عن التهديد الوجودي للسد الإثيوبي، وأن إثيوبيا تشارك في المفاوضات من باب المجاملات -ومع ذلك يطالب بمزيد من المفاوضات- وناشد مجلس الأمن بالتدخل الحاسم، ولوَّح بحق الدفاع عن الحقوق المائية، في حال عدم الوصول إلى تسوية.
الغريب أن الإعلام المصري اعتبرها خطبة الفتح ومفتاح النصر، وكأن الهدف كان في إطلاع الدول المشاركة على حجم المصيبة، ومع ذلك كانت أغلب ردود الأفعال وكلمات المشاركين حول ضرورة استمرار التفاوض من خلال الاتحاد الأفريقي الذي يتعاطف أغلب من فيه مع إثيوبيا!
ويظهر لي بعد ذلك كله، أن ما كنا نعده شكا وظنا حول تواطؤ النظام المصري، بدا يرتقي إلى درجة اليقين والحقيقة، وما تلويح مصطفى الفقي -أحد دهاقنة النظام- بإشراك إسرائيل في الحل إلا بداية وضعية إسدال الستار على الماضي، والتعامل مع الوضع القائم الذي بوابته إسرائيل، وأتمنى أن يخيب ظني، ولا يصدق حدسي.
لكن على وزير الخارجية أن يدرك أنه ما دام متمسكا بخيار التفاوض، ورئيسه متمسك باتفاق المبادئ، فأتوقع أن يجيبهم مجلس الأمن بالمثل العربي الشهير “على قومها جنت براقش”.