السفير رفاعة الطهطاوي في غزة
أغسطس 8, 2022حقيقة المعركة بين داعش وطالبان
سبتمبر 6, 2022في مثل هذا اليوم الخامس عشر من أغسطس/آب من العام المنصرم، دخلت حركة طالبان إلى كابل لتعلن تحرير أفغانستان وهزيمة الأمريكان، ومعهم تحالف ضم أكبر جيوش العالم وأقوى الدول، وأعلى ميزانية حرب، واحتلال دام عشرين سنة، ظن فيه المحتل الباطش أنه تمكن، وظن القَنوط البائس بالله الظنونا، لكن أهل الإيمان واليقين، وطلبة العلم وشيوخهم الراسخين، كانوا على ثقة بوعد الله بالنصر والتمكين، وأن انتفاش الباطل جولة يقذف الله بعدها بقوة الحق فيدمغه ويبطله {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ۚ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} (الأنبياء: 18).
قدر الله المحتوم
وأثبت الأفغان -وفي القلب منهم حركة طالبان- أنهم قدر الله المحتوم في هزيمة الإمبراطوريات الكبرى، وأصبح أفول نجمها، وانحسار جزرها، مرتبطًا بهزيمتها على يد الشعب الذي لا يعرف إلا النصر أو الشهادة، ومن يقلّب صفحات التاريخ البعيد القريب، يرى صورة ذلك أمام عينيه، فذهاب سطوة بريطانيا العظمى بدأت بعد هزيمتها على يد الأفغان، والاتحاد السوفيتي تفكك وتشظى على يد الأفغان، والذي فاته ذلك ولم يعاصره فأمامه الصورة الحديثة لهزيمة أمريكا، والهروب حتى دون التنسيق مع حلفائها، الذين تركتهم يدبّر كل واحد منهم أمره على طريقته.
إن النصر الذي تحقق في أفغانستان يجدد الأمل، وينفي الخنوع والكسل، ويُثبت أن الأمة الإسلامية تمرض لكنها لا تموت، وأن المستقبل لهذا الدين، وأضاف بُعدًا خاصًّا بالعلم وأهله، لأنه نصر علمائي، قام على أكتاف طلبة العلم الذين تربوا في المحاضن العلمية والخلوات القرآنية، على يد العلماء الأثبات والشيوخ الثقات، فحق لكل عالم أو طالب علم أن يفخر بانتصار العلماء، ودحر الأعداء وانتهاء الاحتلال، وطي صفحة الهيمنة الأمريكية، وعودة حكم أفغانستان تحت راية الإمارة الإسلامية.
مائة عام جديدة
إن نجاح حركة طالبان في قيادة الشعب الأفغاني للصمود والجهاد خلال عشرين سنة حتى تحقيق النصر، يبشر ببداية مرحلة جديدة في بناء أفغانستان وازدهارها واستقرارها، ويعطي نموذجًا مضيئًا بعدما خيم ليل بهيم على جنبات العالم الإسلامي، الذي تحكمه قيادات استبدادية طاغوتية، أو حكومات وظيفية، وبعض بلادنا ما زال تحت الاحتلال الصريح كما في فلسطين وكشمير، ولو قيل قبل عام واحد إن بلدًا من بلدان الإسلام سيتحرر من الاحتلال والعدوان، ويعود مقوده إلى أهله، لما توقع أحد بلاد الأفغان، ولا تخيل انتصار طالبان على جحافل العالم مجتمعة، وخروجها من كابل مدحورة مهزومة متفرقة، وأرى هذا بداية طي صفحة الانكسارات، وفتح باب الانتصارات، وأن ما يحدث في العالم من حروب وتغيرات، مؤذن بزوال ممالك وإمبراطوريات، وقيام غيرها حسب سنن الله الجارية {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (آل عمران: 140).
وإن سقطت خلافة المسلمين قبل مائة عام، فإننا على باب مائة جديدة، يُجدد فيها ما اندرس، ويعود فيها التمكين لمن وعى الدرس، روى أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أنه قال:
(إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا).
رواه أبو داود (رقم/4291)، وصححه السخاوي في “المقاصد الحسنة” (149).
ولم يكن انتصار طالبان فقط في ساحات القتال والوغى، بل حققت انتصارها الثاني في ميدان السياسة والتفاوض، الذي استمر أكثر من سبع سنوات، وتوجت نصرها العسكري على الأرض بنصر دبلوماسي في جولة التفاوض، التي رعتها دولة قطر التي أضافت نجاحًا كبيرًا إلى سجل نجاحاتها في الميدان الذي عُرفت الدوحة واشتهرت به.