صور التطرف غالبا ما تأتي ردة فعل مناهضة لأعمال أو تصورات ربما تكون أكثر تطرفا، لذا كان مناخ الاستبداد السياسي وانسداد أفق التغيير، في ظل أنظمة تحكم بالحديد والنار، ولا تعرف من المعز إلا سيفه بعدما نهبوا ذهبه، يمثل بيئة خصبة ومناخا مواتيا لعودة فكر التكفير والتفجير، وأدبيات الخوارج في القتل والاستحلال، التي ظهرت في أبشع صورها متمثلة في تنظيم داعش، وبالإضافة إلى تسلط حكام الجور، فقد أسهم في وصول فكرة التنظيم إلى قطاعات مختلفة من الشباب، اعتماد الدواعش على وسائل التواصل والتقنيات الإعلامية الحديثة، مما صعب علينا في بداية الأمر مناقشة الشباب المغرر بهم، وإقناعهم بضلال الفكرة، واختراق التنظيم، وأنه الخنجر المسموم الذي غرس في ظهر الإسلام في العصر الحديث.
لكن مع توالي الأحداث، ظهر جزء كبير من الحقيقة، ولاح الصبح لكل مبصر، إلا من أصر على السير معصوب العينين في طريق الظلام والهلكة، وكان من أشهر فضائح الدواعش، انكشاف شراكتهم مع جهات فرنسية، ففي 7 سبتمبر/أيلول من العام الماضي، أدانت محكمة النقض في باريس شركة (لافارج) الفرنسية بتهمة التواطؤ مع (داعش)، وحسب محاضر القضاء الفرنسي فإن التنظيم اشترى كميات كبيرة من الإسمنت من شركة (لافارج)، واستخدمها في بناء تحصيناته الدفاعية.
ونشرت وكالة الأناضول التركية مراسلات ومستندات لمؤسسات فرنسية، تظهر اطلاع باريس على العلاقة القائمة بين شركة (لافارج) النشطة في سوريا، وصلتها المباشرة مع تنظيم” داعش” الذي يقوم بجرائم ضد الإنسانية، وضلوع الشركة الفرنسية وشراكتها في ذلك، واتُهمت الشركة بدفعها 13 مليون يورو لجماعات مسلحة في مقدمتها تنظيم (داعش) في عامي 2013 و2014، لضمان استمرار عمل مصانعها في سوريا.
تسهيل وصول التنظيم
لم يقتصر الأمر على الدعم المادي، بل ظهر مؤخرا أن بعض أجهزة المخابرات كانت تسهل وصول الأفراد إلى التنظيم، كما ذكرت ذلك مؤخرا صحيفة التايمز البريطانية: أن المخابرات الكندية هي من هرّبت الفتاة “شميمة بيجوم” – التي خرجت من بريطانيا – إلى مناطق داعش، عبر عملائها الذين كانوا يعملون كعملاء مزدوجين لصالح كندا والتنظيم.
وأكثر ما ساعد على كشف الستار عن سوءة تنظيم داعش وتعرية عواره، أنه لم ينشط في أفغانستان إلا بعد خروج الاحتلال، مما أزاح كثيرا من الغموض الذي كان يغطي تجاويف التنظيم، ويُعمي على أهدافه وحقيقة من يقف وراءه، وفي الأسابيع الماضية تعددت عملياته وتفجيراته التي تركزت على استهداف المساجد وتفجيرها وقتل العلماء فيها، وسط صمت دولي مطبق، بين شامت في طالبان وداعم للدواعش، ودون نكير يذكر، ولم تظهر عبارات الشجب وخطابات الاستنكار، إلا عندما استهدفت داعش سفارة روسيا في كابل، وأسفر التفجير عن قتلى وجرحى، ومع بشاعة ما يقوم به الدواعش، فأنا مستبشر بأن هذه المحنة ستنفرج عن منحة، وأن الشعب الأفغاني الذي هزم الامبراطوريات الكبرى: بريطانيا العظمى، الاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة الأمريكية، قادر على تفكيك هذا التنظيم واستئصال جرثومته، وأن أول ما تحقق من ملامح النصر، هو فضح خبيئة التنظيم، وأنه يعمل لغيره، ويحقق لأعداء الأمة ما عجزوا عن إدراكه، وقد أشرت إلى خطورة الدور الذي يلعبه الدواعش في مقال سابق، وتحديدا بعد فتح كابل، بكلام هذا نصه:
“لا يخفى أن توافد أعداد من داعش سوريا والعراق إلى أفغانستان في الفترة الماضية، يدلل على أن التنظيم المصطنع المخترق، يُهيأ لأداء دور جديد على أرض الأفغان”
وهذا يجعل المسؤولية الملقاة على كاهل علماء الأمة كبيرة في تنبيه الغافلين، والأخذ بأيدي الحائرين، والأخذ على أيدي العابثين، وخوض غمار معركة الوعي غير هيابين ولا وجلين، والتأكيد دوما على أن داعش خطر فاحش، والتصدي له أوجب الواجبات