
أفغانستان كما رأيت 4/2 “كابل من الداخل”
يناير 25, 2023
الصوفية التركية في قلب الزلزال
فبراير 23, 2023أثر الهزيمة النفسية على بعض النخب الإسلامية، جعلهم لا يستوعبون خروج أمريكا مهزومة من أفغانستان، وعندها سنعذر فئاما من العوام لم يتقبلوا ذلك تحت تأثير الثقافة الغالبة، وسيطرة الإعلام الأمريكي وأذرعه “العربية”، وبذلك يتضح ما يتبناه الضلع الثالث من صرعى الغزو الفكري وأسرى الاحتلال الثقافي، الذين يعتقدون أن أمريكا قوة لا تُقهر وأمة لا تُهزم.
يفكك أضلاع هذا المثلث وينقض زواياه، أن هذه ليست المرة الأولى التي يهزم فيها الأفغان القطب الأول أو الأقوى في العالم، فسبق لهم هزيمة بريطانيا العظمى التي كانت لا تغيب عنها الشمس سنة 1842، ثم هزموا الاتحاد السوفيتي صاحب أكبر جيش مشاة في العالم سنة 1989. وبما أن أمريكا ورثت الصدارة وأصبحت هي القطب الأوحد، فكان لزاما أن يجري عليها قانون هزيمة الإمبراطوريات الكبرى عبر بوابة أفغانستان، وهو ما عبّر عنه الرئيس الأمريكي جو بايدن بعد الانسحاب بقوله “إن أفغانستان مقبرة الإمبراطوريات”، ومن يطالع مذكرات وزير الخارجية السابق مايك بومبيو، يجد حديثا واضحا عن الهزيمة، وأنهم تجرعوا مرارتها مرتين: الأولى في ميدان القتال مدة عشرين سنة، والثانية على مائدة التفاوض مدة سبع سنوات، ومن ذلك قوله عن توقيع اتفاق الدوحة:
“في ذلك اليوم مررت بأغرب تجربة وزيرا للخارجية، عندما دخلت فندق شيراتون قطر في 29 فبراير (شباط) 2020 حيث العشرات من أعضاء طالبان بزيهم التقليدي، وكأن المؤتمر في تورا بورا، وتساءلت: كم قتل هؤلاء الملتحون من الرجال والنساء الأمريكيين؟
وعلى الرغم من اعتراضات الرئيس الأفغاني أشرف غني ومعظم المؤسسات في واشنطن، فقد أيدت التوقيع، وما زلت أعتقد أنه الطريق الصحيح، وأن الاتفاق كان حاسما لإنقاذ حياة الشباب الأمريكي”.
هل كانت طالبان والأمريكان في حاجة إلى كل هذا الوقت من القتال والتفاوض، حتى يتفقوا على خديعة الانسحاب، حسب من يردد هذه الترهات؟
الإمارة الاسلامية
من أغرب ما سمعته من أحد أعضاء وفد التفاوض الأفغاني، وهو يشغل الآن منصبا رفيعا في الإمارة الإسلامية، أن المبعوث الأمريكي زلماي خليل زادة ومن معه، كانوا يرفضون بشدة أن يُطلق على أفغانستان اسم الإمارة، وقال لهم زلماي “تنازلوا عن كلمة إمارة، واطلبوا في مقابل ذلك ما شئتم”، فقالوا له “إن نظام الملك والإمارة هو النظام المتبع في أفغانستان من قديم، وأنتم من غيَّر وبدّل”، وسأله أحد المفاوضين “ألم تعرضوا علينا مكانا للتفاوض بالتناوب مع الدوحة؟”.
فقال زلماي “بلى عرضنا إمارة دبي”، فقال له “لماذا لم تطلبوا منهم تغيير اسم الإمارة، فإنهم إمارات متعددة؟!”.
سيقرأ هذا الحوار أضلاع مثلث الهزيمة على أنه تصلب أفغاني، ولن يستوقفهم أن أمريكا مستعدة لبذل الغالي والنفيس لعدم عودة المصطلح الإسلامي، ناهيكم عن الحكم الإسلامي، ولو عكسنا الصورة وعرضناها على أصحاب الأضلاع المكسورة، لقالوا إن عداوة المصطلح من قلة العقل وضيق العطن، وتبديد الطاقات في القشور والتفاهات!
والأمر الثاني الذي أكده الأفغان في مراحل التفاوض، أن ترفع أمريكا يدها عن حماية تنظيم داعش، حيث فرضت حمايتها عليه وأنقذته من حصار المجاهدين الأفغان، أكثر من مرة أثناء الاحتلال، ولا تذكر وسائل الإعلام موقف المجاهدين الصارم من الدواعش قبل التحرير، وتتبّع أوكارهم بعد الفتح المبين، ولا تركز على ما يقوم به التنظيم المخترق من قتل المدنيين في الأسواق والمساجد.
أعلى أوسمة السلام
ولو أن المؤسسات والمنظمات العالمية فيها بقية من إنصاف، لحصلت حركة طالبان على أعلى أوسمة السلام، وأرفع درجات التكريم على ما حققته من السلم العام، بقرار العفو الشامل الذي عَمَّ كل الأفغان، حتى من حمل السلاح وأوغل في الدم الحرام. وقد اطلعنا أثناء زيارتنا على قصة أحد المقاتلين الذين قاموا بمذابح عامة، ودفنوا الأحياء في مقابر جماعية، ثم قُتل على أيدي المجاهدين، ويحرس قبره الآن عشرة من جنود الإمارة الإسلامية، لئلا يُنبَش قبره. وأغرب من ذلك قصة صنوه، الذي قتل 150 نفسا من طالبان، وما زال على قيد الحياة، وشمله العفو العام أيضا، وعلمت أن سبب حراسة الإمارة لهؤلاء، أن النفوس ليست سواء، وأن بعض أبناء الشهداء تجرعوا كأس العفو، ولكن قد تغلبهم أنفسهم عند رؤية القاتل.
أخبِرني عن نظام أو حزب فعل مثل ذلك، أو ترفّع عن عدوه إلى هذه الدرجة! إن سياسة اذهبوا فأنتم الطلقاء، لا يطيقها إلا من أراد التأسي بإمام الأنبياء ﷺ، فإن الغالب ينكل بالمغلوب، والمنتصر يستأصل شأفة المهزوم، وإن عيون العالم لا تعرف في أفغانستان إلا تضخيم المثالب، ولولا معرفتي بصفات هؤلاء القادة، وأنهم لا يبحثون عن وسام أو قلادة، لرشحتهم لجائزة نوبل للسلام على هذا العفو العام.