تميزت زيارتنا الثانية لأفغانستان بلقاء المولوي محمد حسن آخوند رئيس الوزراء، بعد لقاء موسع مع نائبه المولوي عبد السلام حنفي، الذي وقعت محبته في قلوبنا من اللقاء الأول، وأشعرنا أنه على الدرجة نفسها من المودة والمحبة، ومن خلاله رتب لقاء رئيس الوزراء، وهو من جيل قدامى المجاهدين وكبار علماء الإمارة الإسلامية، ويظهر ذلك على كلامه وهيئته، حيث رأينا في ملامحه وملابسه الصورة المحفورة في نفوسنا للمجاهدين الأفغان.
ومن مجلس شيوخ المجاهدين إلى الشباب الفاتحين، وهم عصب الحكومة الحالية، ويشغلون أغلب الحقائب الوزارية، بحيث نستطيع أن نقول إجمالا إن حكومة الإمارة الإسلامية في أفغانستان حكومة شابة، في ظل كبار العلماء المجاهدين، الذين هم أهل الشورى إلى جوار أمير المؤمنين.
وفي مقدمة هؤلاء الوزير الشاب الملا محمد يعقوب وزير الدفاع، وهو ابن الملا عمر أمير المؤمنين ومؤسس حركة طالبان.
وكان اللقاء مع وزير الدفاع سهرة ممتدة، أظهر لنا فيها ما ورثه عن والده من إكرام الضيف والاحتفاء به والتضحية في سبيل ذلك، حتى أصبح الملا عمر -رحمه الله- مثلا أعلى، ومثالا يُحتذى به على غير مثال سابق.
ولفت أنظارنا أن الملا محمد يعقوب بدأ حديثه بالترحم على والده وضيوفه من المجاهدين العرب، كما أعرب عن أن ثبات والده وبسالته هما مصدر إلهام له ولجميع شباب الأفغان.
وبعد الكلمات الافتتاحية المعدَّة، بدأنا في نقاش مفتوح حول القضايا الراهنة سواء ما يتعلق بأفغانستان بعد الفتح والتحرير، أو ما تتعرض له الأمة الإسلامية بصفة عامة.
وكانت إجابات الوزير الشاب مسددة محكمة، كما أهدى علماء الوفد نسخا من الكتاب الذي نُشر عن والده بعنوان: عمر الثالث، أي الثالث بعد العمرين: أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وخليفة المسلمين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما.
وعد عبد الحي يوسف وتأثر الصلابي
وأول من اطلع عليه فضيلة الدكتور عبد الحي يوسف، لذا وعد بإعادة صياغته وإخراجه بما يتناسب مع سيرة الرجل الكبير، وعلى عادة المؤرخين في التوثيق، طلب فضيلة الدكتور علي الصلابي أن تكون النسخ ممهورة بتوقيع الملا يعقوب الذي رحَّب بذلك.
وكانت سعادة الدكتور الصلابي بالإمارة وعلمائها بادية، وظهر تأثره أكثر من غيره، وكثيرا ما غلبته عيناه وانهمر دمعه، لا سيما وأنه كلما وطئنا موطئا، أصاب من يقول له: قرأنا كتبك وننتظر إصداراتك! حتى مازحته قائلا له: ينبغي أن تكون تكاليف هذه الرحلة عليك وحدك!
وأول ما ظهر من هذا التأثير أن الدكتور الصلابي كتب فور عودته عن نظام القضاء في الإمارة الإسلامية، وأنه إضافة إلى مراحل التقاضي الثلاث الابتدائية والاستئناف ثم النقض أو التمييز، وتوجد محاكم خاصة يلجأ إليها الأفراد بقضاياهم إذا كانت متعلقة بالمسؤولين وكبار رجال الإمارة لضمان سرعة التقاضي وإنصاف المظلومين، وأهدانا قاضي القضاة فضيلة الشيخ عبد الحكيم حقاني مجموعة من مؤلفاته عن القضاء في الإسلام، والجهاز القضائي في أفغانستان.
ولم يَخلُ مجلس جلسناه من الحديث عن العدوان على غزة، وما يرتكبه جيش الاحتلال من مجازر بحق المدنيين والعزل، ولذا كان الدكتور نواف تكروري رئيس هيئة علماء فلسطين نجم الوفد، والكلمة الثابتة محجوزة لأبي ثابت، ورأينا من القوم عجبا في تعلقهم بالمسجد الأقصى ومشروع تحريره، وهو محور حديثنا القادم بإذن الله